منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر

منتدى يعنى بمناهج النقد الأدبي المعاصر .
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اتجاهات النقد الأدبي الحديث في الأردن الدكتور محمد خرماش أستاذ النقد الأدبي والمناهج المعاصرة جامعة سيدي محمد كلية الآداب والعلوم الانسانية فــاس - المغـرب1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد خرماش
Admin



المساهمات : 44
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
الموقع : أستاذ باحث

اتجاهات النقد الأدبي الحديث في الأردن       الدكتور محمد خرماش  أستاذ النقد الأدبي       والمناهج المعاصرة   جامعة سيدي محمد  كلية الآداب والعلوم الانسانية    فــاس - المغـرب1 Empty
مُساهمةموضوع: اتجاهات النقد الأدبي الحديث في الأردن الدكتور محمد خرماش أستاذ النقد الأدبي والمناهج المعاصرة جامعة سيدي محمد كلية الآداب والعلوم الانسانية فــاس - المغـرب1   اتجاهات النقد الأدبي الحديث في الأردن       الدكتور محمد خرماش  أستاذ النقد الأدبي       والمناهج المعاصرة   جامعة سيدي محمد  كلية الآداب والعلوم الانسانية    فــاس - المغـرب1 Emptyالأحد أبريل 04, 2010 6:25 am

تقديم : حول مفهوم النقد ومفهوم الاتجاه
النقد الأدبي عملية فكرية تنصب على الأعمال الأدبية قصد فهمها أو تقريبها أو تفسيرها أو تقويمها، وهي العملية التي يستمد منها النقد مشروعيته وتعريفه وحقيقة وجوده. ولذلك يحدد الناقدان الفرنسيان "كارلوني وفيللو" مثلا أهدافه في التفحص والتوضيح والشرح والتقدير، لأنه يقوم في نظرهما على : "دراسة الأدباء القدامى أو المعاصرين وتفحص مؤلفاتهم بغية توضيحها وشرحها وتقديرها حق قدرها."
ولما كان النقد الأدبي في أصله لصيقا بالأدب ومرتبطا به فهو يشترك معه في بعض المعطيات ويقاسمه بعض العناصر حتى ليقال عنه بأنه الأدب الذي يكتب عن الأدب. ورغم الاعتراضات القائمة ضد النقد التطبيقي الذي قد يعتبر دخيلا أو متسلطا على النص الأدبي، فهو في الحقيقة يعمل كثيرا على تقريب الحقائق الفنية، وعلى فهم المنتج الإبداعي في سائر أبعاده، فيضيء التجربة الأدبية ويكملها، وبذلك ينهض بمهمة خطيرة ودقيقة في خدمة الأدب وفي خدمة الثقافة والمجتمع.
وبالطبع فالعملية النقدية التي تسعى لتفعيل النص الأدبي وتحقيقه فنيا وفكريا، تنطلق بالأساس من التراكمات المعرفية الحاصلة في مجال الأدب ونقده؛ أي من محاولة تحديد الإجراءات التي تساعد على استكشاف القيم وتمثل الظاهرة، فتجمع المفاهيم المتضافرة في الاتجاه المشترك. وقد يركز الاتجاه على بعض العناصر المكونة للإبداع الأدبي مثل الكاتب أو النص أو المرجع أو المتلقي وبذلك يمكن تصنيفه وتحديده؛ بمعنى أن المحدد الأساس في التوجه النقدي هو تلكم الأسئلة القابعة في ذهن القارئ/ الناقد التي سيواجه بها النص والتي سيقيم عليها بحثه ودراسته. وعليه يمكن القول بأن كل عملية نقدية واعية تنطلق من فرضية مسبقة تحدد السؤال المطروح على النص (والذي غالبا ما نقرأه في العنوان) والمتحكم غالبا كذلك في اختيار المتن واختيار المنهج وكيفية التعامل معهما؛ كأن يتساءل الناقد مثلا عمن هو الأديب شخصيا أو فكريا أو ثقافيا أو نفسيا أو اجتماعيا أو ما إلى ذلك؛ أو عن النص و مكوناته وكيفية انبنائه ودرجة الأدبية فيه وما إلى ذلك… وعليه فقد يمثل الاتجاه بناء على تلك التساؤلات والاختيارات مجموعة من الأفكار والآراء المتقاربة التي تسير في اتجاه واحد أو موحد بنفس المنطلقات ونفس الأهداف، وقد يعمل ضمن حركة النقد العامة ويؤثر في سيرها وتطورها.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن رصد الاتجاه أو الاتجاهات في النقد الأدبي عملية لاحقة للنقد الأدبي، ولا تملك إلا أن تكون وصفية محايدة، ولو أنها تضطر أحيانا إلى إعادة إنتاج الموصوف بما لا يخلو من ذاتية أو من مواجهة لمعرفة بمعرفة أو إيديولوجية بإيديولوجية، لكنها تتوخى في المنهج العلمي عادة:
- تحديد منطلقات الناقد ولو لم يصرح بها، ومن ثم تحديد منهجه ومقاصده.
- تحديد اختيار المتن ونوعية التحليل والدراسة .
- تحديد الأهداف التي رسمها الناقد وكيف عمل على تحقيقها.
- تحديد مدى الانسجام الحاصل بين المنهج والنتيجة.
على أن عملية التصنيف المنهجي مرتبطة أساسا بنقد الإبداع وليس بالإبداع ذاته، إلا من حيث مناقشة النتائج أو الاستدلال على الناقد بمادة بحثه.
انطلاقا من هذه الرؤية ومن هذه المفاهيم، ومن تفحص عدد من الدراسات ومن الأعمال النقدية الحديثة في الأردن وعلى ضوئها، يمكن في التصنيف الأولي على الأقل أن نحدد ثلاثة أنواع من النقود أو ثلاثة اتجاهات كبيرة في النقد الأدبي الأردني المعاصر هي:

1- النقد التاريخي أو البيوغرافي ويشمل كذلك نقد المؤلّْف والنقد النفسي.

2- النقد المرجعي ويشمل :
أ‌- النقد الإيديولوجي
ب‌- النقد الاجتماعي
ج- النقد الموضوعي والموضوعاتي

3- النقد النصي ويشمل :
أ‌- النقد البنيوي والتكويني
ب‌- النقد الانطباعي أو نقد المتلقي
على أن كثيرا من الدراسات قد تجمع بين أكثر من توجه أو أكثر من مفهوم في العملية النقدية وهو ما يسوغ الحديث عما يسمى بالمنهج التكاملي في الدراسات الأدبية، لكن الحضور الرئيسي في الغالب يكون للاتجاه الذي يقتضيه السؤال المحوري أو السؤال الأصل في مواجهة النص، وهو المعتمد حتى ولو استعان على تحققه بأسئلة فرعية أو مكملة…
1- النقد التاريخي أو البيوغرافي :
- هناك من يرى بأن اهتمام النقد بشخصية المؤلف قد بدأ مع سيادة النزعة الوضعية التجريبية في الغرب ومع الإيمان بقيمة الفرد في التوجه البرجوازي الرأسمالي الحديث.
- وهناك من يرى أن إيضاح العمل الأدبي من خلال شخصية الكاتب وحياته هو من أقدم مناهج الدراسة الأدبية وأحسنها تأسيسا (رينيه ويليك: نظرية الأدب ص: 77).
- وقد اعتبر النص الأدبي في الغالب صورة لشخصية صاحبه وعلامة تحمل بصماته. بمعنى "أن الأثر يصنع الكاتب مثلما يصنع المؤلف الأثر"، وبذلك يذهب البعض إلى حد اعتبار الأثر الروائي لا يتحدث إلا عن صاحبه؛ يقول R. Gaillois : "يقتصر الكاتب… على نقل ما كابده أو عايشه. فهو لا ينقل شخصية أخرى غيره، ويحرص على أن لا يتصنع وأن لا يشوه. إنه لا يحلل سوى انفعالاته، ولا يروي إلا تجاربه، ولا يبلغ شيئا عدا ذكرياته، فإذا كان رحالة فهو يسرد رحلاته، وإن كان عاشقا فهو يسرد غرامياته، وإن كان صحفيا فهو يسرد تحقيقاته، وإذا كان سورياليا فهو يسرد أحلامه وخيباته، أما إذا لم يكن يعرف أن يعمل ولا أن يحس فهو يعرض الفراغ نفسه لحياته وروحه."
ويمكن أن يعتبر التحليل النفسي للأدب نقدا بيوغرافيا كذلك لأنه يهتم بالجانب النفسي للمبدع ويركز على الصراع الداخلي، كما يعتبر أن الإبداع الأدبي يمثل فرصة سانحة لتجليات التركيبة النفسية لدى المبدع، ومن ثم يمكن أن نفهم إبداع الكاتب حينما نفهم نفسيته ونفهم نفسيته حينما نفهم إبداعه. وقد مضت مرحلة في التحليل النفسي للأدب كان الناقد يتقصى فيها المعلومات التاريخية المتعلقة بطفولة الكاتب وبحياته، والتي من شأنها أن تضيء أو تؤيد ما يقرأ في إبداعه من أبعاد نفسية ومن آثار انفعالية أو لا شعورية؛ ثم صار التركيز أكثر على فهم النصوص الأدبية من حيث هي أوعية للدفقات اللاشعورية، لكن النتائج المستخلصة تسند دائما بما يدعمها من المعلومات البيوغرافية أو التارخية. ومن هنا فالمنهج النفسي لم يكن ليستغني عن المنهج التاريخي أو عن محصلاته وكان الجامع بينهما في الدراسات الأدبية هو تمثل الوقائع النفسية التي تفسرها أو تبينها الوقائع التاريخية والعكس صحيح. وهذا الملحظ قد اعتمدته بشكل أو بآخر بعض الدراسات الأدبية في الأردن ولذلك أدرجناه ضمن النقد التاريخي البيوغرافي، أيضا. وقد كان مستند النقد في فهم شخصية الكاتب هو التاريخ والتاريخ المتعلق بسيرة حياته تحديدا؛ وبدل أن كانت الأحكام النقدية عامة ومنصبة على بعض التقويمات اللغوية والجمالية والبلاغية، صارت تعتمد على الحقائق التاريخية في فهم شخصية الكاتب وفي إدراك مضامين أعماله ومراميها، وقد اعتبر ذلك نقلة نوعية في تاريخ النقد الأدبي الذي كان إطلاقيا أو اعتباطيا، فصار علميا أو موضوعيا يتكئ على حقائق خارجية، وأصبح الإلمام بمعطيات الظرفية التي أفرزت الأديب أو أفرزت إنتاجه من العوامل المرجعية الحاسمة التي لا يمكن أن تستغني الدراسة الأدبية العلمية الموضوعية عن إفاداتها.
وقد غلب المنهج التاريخي أو التأريخي بصفة عامة في النقد الأدبي العربي الحديث سواء ما تعلق منه بتصنيف الأعمال الأدبية وفق عملية تحقيب تاريخية وسياسية مصاحبة، أو وفق محاولة فهمها وإضاءتها من الخارج بناء على تحديد المعطيات الشخصية أو المعطيات العامة التي واكبتها أو التي كانت من وراء إنتاجها حسب هذا النوع من التوجه في النقد الأدبي؛ وبين يدينا في الدراسات الأدبية الأردنية جملة من الأعمال والمؤلفات التي نحت هذا المنحى الموجود في حركية النقد العربي وفي النقد الغربي بالأساس.
- كتب الدكتور ابراهيم خليل عن "محمد القيسي: الشاعر والنص" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 1998) ووضع في أعلى واجهة الغلاف كلمة "دراسة" لكنه يبدأ كتابه بفذلكة –كما يقول- عن حياة الشاعر بقلمه، تتضمن معلومات عن مولده ونشأته وتعليمه وتعاطيه الشعر والصحافة والإعلام؛ وهي أقرب ما تكون إلى نوع من C.V أو نهج السيرة العلمية، ولعل القصد منها أن يتعرف القارئ على شخصيته الثقافية والتاريخية كي يستطيع التواصل مع خطابه الشعري ويفهم ما سيقوله الخليل عنه بعد ذلك. وهناك ربط واضح حتى من خلال العنوان بين النص وصاحبه أي هناك إيمان منهجي بأن حياة الشاعر قد تضيء أشعاره، وأن أشعاره تعكس حياته الداخلية والخارجية، وهو ما نلمسه على طول صفحات "الدراسة" من مثل قوله: "ولما كان شعر القيسي مرتبطا أشد الارتباط بتطور حياته الشخصية، وتطور رؤيته المتجددة للعالم من حوله، ومن حول شعبه الفلسطيني، فقد نشأت خيوط بارزة في نسيجه الفني تنعدم القدرة على رؤيتها بوضوح ما لم نسلط الضوء على سيرته الشخصية والأدبية…" (نفسه ص30). ولذلك كان أكثر "الدراسة" عبارة عن سرد لبعض تجارب الشاعر أو لصفحات من تاريخ فلسطين القريب تتخللها استشهادات مناسبة من شعره، تعقبها تعليقات أو تلخيصات من مثل قوله: "وهذا الجزء من القصيدة يعد من وجهة النظر التاريخية نصا مهما وقيما، فهو يلقي الضوء على الأثر العميق الذي تركته تجربة المخيم في حياة الصبي، ودورها الكبير في صياغة موهبته الشعرية، وصقلها بالمعاناة التي اكتملت بقصة حب مبكر من طرف واحد." (نفسه ص32). وكل التحليلات الواردة في الكتاب تتمحور حول شخصية القيسي ومعاناته وثوريته وانعكاسات كل ذلك في تكوين رؤيته ومواقفه وشاعريته وشعريته، وما على القارئ إلا أن يصدق الناقد في أحكامه لأنه أعرف بتطورات حياة الشاعر وبآثارها في شعره؛ وهو على كل حال نوع من المراوحة بين حياة الشاعر وشعره تجعل "الدراسة" من صميم النقد التاريخي أو البيوغرافي بكل ما لهما وما عليهما.
وكتب د. خليل أيضا عن الشاعر أمين شنار (الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عمان 1997) ممهدا بمدخل تاريخي عن الصحافة الأردنية وعن مجلة الأفق الجديد والاتجاه الشعري الذي تبنته وعن دور الشاعر شنار في صدورها واستمرارها؛ ثم عن "قصته مع الشعر" (ص16) وعن الموضوعات التي تأثر بها وأثرت عليه مثل "القلق الحضاري، والنفسي، والألم، والمعاناة، والسأم، النابع من تداول الشعراء لأسئلة الوجود، والواقع…" (ص 17). وقد استعرض نماذج دالة من كل ذلك مما يعني أهمية وضرورة الربط في نظر الناقد بين الإبداع وصاحبه وبين شعر الشاعر وحياته النفسية وغير النفسية، والسبيل إلى ذلك طبعا هو المعرفة بأحواله وأخباره وتاريخه الذي يمكن من الاقتراب منه ومن فهم حقيقة أشعاره وشاعريته. يؤكد هذا التوجه المنهجي في نقد الدكتور ابراهيم ما جاء في مقدمة كتابه "فصول في الأدب الأردني ونقده" (منشورات وزارة الثقافة –المملكة الأردنية الهاشمية/ عمان 1991) من الإشارة إلى اتسام تلك "الفصول" بالشمول والتوسع في المعلومات التي تفيد في "المعرفة العلمية الدقيقة بأركان الحركة الأدبية العربية في الأردن" (صCool؛ كما تؤكده صياغة عناوين لها على شكل: "الكتابة الروائية في الأردن من التسجيلية إلى التجريب" و"تطور القصيدة العربية في الأردن" و"الحداثة في تجربة عبدالرحيم عمر الشعرية" وما إلى ذلك. وتحتها محاولات لتحقيب الأعمال الأدبية على أساس مواكبة المعطيات التاريخية/السياسية أو التطورات الفنية، نتج عنها أحكام ذات دلالة منهجية واضحة مثل قوله: "ولا شك في أن الذي سهل لهذه الكاتبة (ليلى الأطرش) أن تكتب رواية تسجيلية جيدة، ثقافتها السياسية والاجتماعية العميقة، ونضج تجربتها في الحياة، زيادة على فهمها المعمق لمرتكزات العمل القصصي" (ص 23). وإذن هي عوامل ثلاثة معتمدة في تقويم إنتاج الكاتبة وكلها متعلقة بمعرفة ثقافتها وحياتها، معرفة تساعد طبعا أو قد ساعدت فعلا على فهم نصوصها وإضاءتها. وحتى فهم تقنيات الكتابة التجريبية (التي يقال عنها الكتابة النصية) وتحليلها بعمق لا يمكن أن يتم في نظر الناقد أو حسب قناعته المنهجية إلا بربطها بالمعطى التاريخي المفسر لحيثياتها مثل قوله عن رواية سالم النحاس: "أوراق عاقر" التي صنفها ضمن "الكتابة التجريبية": "وفي الصفحات الأخيرة يتضح أن الكاتب يرمز بكل هذه العناصر لنكسة حزيران، وإلا فما معنى أن يكون الحريق يوم 5حزيران، وما معنى أن يقول الكاتب "من كان يصدق أن كل هذا يحدث في ست دقائق، ست ساعات، ستة أيام …الخ" (ص26).
إن الاعتماد على المعلومات التاريخية وعلى المعرفة بسيرة حياة الكاتب في تحليل الأعمال الأدبية وتقويمها واضح جدا في نقد الدكتور ابراهيم خليل، وهو لا يطبق على الشاعر أو الروائي فقط، وإنما يطبقه كذلك وبقدر من الصرامة على الأحداث والشخوص والوقائع الواردة في النصوص، وهو يدعو في هذا التوجه النقدي إلى تأمل مسألة العلاقة بين الأدب والتاريخ ومدى إمكانية اعتباره وثيقة موثقة، وهل يمتح فعلا وبكيفية مرآوية أو انعكاسية من التجارب الفردية أو الجماعية المباشرة؛ مثلما يلاحظ في قوله: "وإذا لاحظنا أن هذه القصص كتبت قبل عام 1970 أي في الفترة ما بين نكسة حزيران 1967 وتاريخ صدورها، فإنها تشكل صورة لما كان يدور في أذهان المثقفين آنذاك وهم يناقشون ويحللون ويدرسون ويقومون ما حدث." (ص61). وحتى حينما يؤرخ الدكتور ابراهيم لتطور اللغة في القصيدة الأردنية المعاصرة، فهو يربط ذلك بتطور الأحداث التاريخية التي فرضت قاموسها على الشعر والشعراء (ص71 وبعدها). وحينما يبحث ظاهرة الحداثة في شعر عبدالرحيم عمر ، يبحثها وفق مسوغ البواعث التجديدية لدى الغرب وفي العالم العربي على اعتبار أنها "انخراط في التاريخ ضمن حركة دائمة لاستكشاف طاقات اللغة الإبداعية" (ص 134)، ليخلص في النهاية إلى أن الشاعر "يعيش عصره، ويتعرض لما تفرزه الحياة الحديثة من تناقضات وتيارات، ومن مشكلات وأوجاع تنغرس في خاصرة الإنسان المعاصر…" (ص162) وقد تصادت في قصائده الحداثية مشكلات العصر، وقضايا الإنسان العربي… (ص 162)؛ ومنها قصيدة "أغاني الرحيل السابع" التي لا يجد فيها الدكتور ابراهيم أكثر من عملية ترميز لأحداث المقاومة الفلسطينية التي عاشها وعايشها، بالاستناد إلى المثولوجيا العربية في تشييد الخطاب الشعري المعاصر الذي يتضمن في بنيته العميقة دلالة مرجعية تاريخية لا تفهم إلا في ضوء الظرفية المترتبة عن حرب الثمانينيات وغيرها، لأن "قدر الشاعر –وهو في قلب الأحداث والمؤامرات- أن يمضي كما تمضي الصواري واقفة…" (ص185). وما أظن الناقد بتحكيم التوجه التأريخي –كما نرى – إلا رفيقا مخلصا له في التصورات وفي القناعات وفي المدركات…
وفي الفقرة التي خصصها الناقد عبدالله رضوان لــ"علاقة النموذج بالظرف التاريخي الاجتماعي الذي نعيشه" من كتابه "النموذج وقضايا أخرى" (وهو دراسة في القصة الأردنية القصيرة (70-80)) يرى –نقلا عن د. ابراهيم البحراوي في الأدب الصهيوني بين الحربين- أن "الأدب يمثل أهم وأوثق السجلات المعرفية التي يمكن الاستناد إليها في استقاء المعلومات عن دراسة أي مجتمع من المجتمعات" (ص56). وعلى ما في هذه القضية من نظر –كما أسلفنا- فإن هذا المنحى في فهم العمل الأدب وتقويمه يدل على ما للتاريخ والتاريخانية من حضور وأهمية في المنظور النقدي لأصحابه، وهو توجه يتعزز –ليس في الأردن فحسب- بحرص النقد على ألا يكون خارج اللعبة الثقافية والاجتماعية التي هي البنية الضامة على حد مفاهيم لوسيان كولدمان وأصحابه. ومن هذا المنطلق يبحث عبدالله رضوان مدى ملاءمة عدد من القصص للظرفية التي أفرزتها ويحاكمها على أساس التمثيلية ومدى المعرفة بحقائقها؛ فيرى "أننا نستطيع بعد قراءة نتاج الايراني في ميدان القصة الخروج بتصور عام عن الواقع الفلسطيني قبل وأثناء نكبة 1948" (ص 57) و"نستطيع بعد قراءة نتاج عيسى الناعوري القصصي أن نتعرف على بدايات تشكل المجتمع الأردني الحديث." (ص 57).
ونظرا لإيمان الناقد بتحكم المعطى التاريخي في الإنتاج الأدبي، فهو ينتظر أن يسود في القصص ما يسميه "النموذج المقاوم" لكن ملاحظاته تقوده إلى تبين نوع من الدونية في بعض الأعمال التي لا ترقى إلى تمثل غنى الواقع النضالي وغزارته، ومن ثم يحكم بفشلها في "طرح الصورة النموذجية" المرتقبة، إما لنقص في المعرفة وإما لنقص في الاندماج والمشاركة، ويطالب القصاصين بالتعامل مع واقعهم "بعد فهم ووعي علميين له" (ص62) وبذلك يمكنهم –وهو المطلوب عنده- أن يكونوا واقعيين أي ملتزمين بقضايا الجماهير وعارفين بأسباب سعادة المجتمع وتعاسته (ص 65).
- إن الاحتكام إلى العامل التاريخي ليس شرطا دائما في تقويم
النموذج الذي يترسمه عبدالله رضوان لأن الأدب بوسعه أن يتجاوز النموذج الواقعي المحدود إلى النموذج البشري أو الإنساني أو المثالي المطلق، لكن التزامه بالتوجه التأريخي في النقد الأدبي جعله يعارض الأعمال القصصية بالتاريخ وبمواضعات الواقع الظرفي فيحاكمها من منطلق المعرفة بتلك الظرفية وبمعطياتها، ويناقشها الحساب وكأنها بالفعل أو فقط عملية تسجيلية توثيقية تأريخية موضوعية كما طرح في المدخل.
وحتى فيما يتعلق بالقصص الرمزية فهي عنده محملة بما يعيشه القاص ويعايشه بل هي أنجح في التعبير عنه ما لم تكن مغرقة في التجريدية، وإلا فهي فارغة لأنها تباعد بذلك بين المبدع والجمهور ولا تكاد تعطينا شيئا محددا (ص112-113). وتظهر النزعة التأريخية عند عبد الله رضوان أيضا في كتابه "أدباء أردنيون" (منشورات وزارة الثقافة الأردنية –دار الينابيع 1996) حيث يعرض لعدد من الشعراء والكتاب ولأعمالهم، ويرى أن الدراسة الأدبية مهما انصبت على النص لا ينبغي أن تكون معزولة عن "الشرط التاريخي" (ص13). ولذلك يفسر أبعاد الدلالات المكانية في شعر "عرار" من منطلق سيرة حياته ومواقفه؛ ويقيم "قصيدة الخطاب" عند عبدالرحيم عمر من منطلق "إعادة توظيف الموقف التاريخي لإيصال مقولته" وللتعلق بالوطن والاحتجاج ضد القهر السائد وتسجيل معايشة الأحداث والتأثر بها كما في "أغاني الرحيل السابع" (ص 54-55) التي أوحت بها لحظة الخروج من بيروت سنة 1982 أو كما في قصيدة "المطارد" التي اختارها الناقد للدراسة لأنها "تقع ضمن سياق التطور التاريخي للقصيدة الحديثة في الأردن" (ص67).
وهذا الربط بين ملامح التاريخ في القصيدة وتاريخ تطورها هو ما ينم كذلك عن حضور الحس التأريخي في النقد الأدبي، واعتبار عملية تأطير الأشعار ضمن سياقاتها الظرفية والبيوغرافية عملية مساعدة على فهمها ومقربة لأبعادها الفكرية والفنية. ومن ثم يقرر عبدالله رضوان أن "السياق يتفق مع إحساس "المطاردة" الذي يتلبس التجربة الشعرية الفلسطينية في مرحلة لم تكن قد أفرزت فكرة/فعل المجابهة مع الواقع …" (ص72) أي أن الشاعر "يلبس قناع رمزه فيقول من خلال الرمز واقعه المعاصر" (ص73) وهذا يعني أنه على القارئ لكي يفهم الشاعر وترميزاته أن يفهم شخصه وواقعه؛ ولن يتأتى له ذلك بالطبع إلا إذا وقف على سيرته وعلى حقيقة الوقائع التي حفزته على القول، واعتمد في تحليله على هذه الإضاءات الخارجية لتكون العملية جدلية في التراوح بين معطيات النص ومعطيات التاريخ.
وهي المعطيات التي تحكم بنية النص الشعري في ديوان "نقوش الولد الضال" لــ"محمد ابراهيم لافي" أيضا حيث يتمركز الشاعر في تجربته السياسية فيصبح شعره وقضيته وجهين لعملة واحدة، لا تتحدد معالم أحدهما إلا بالنظر في معالم الآخر؛ فالسقوط السياسي الذي يلاحقه في الواقع يتمثل في حالة الانكفاء والإحباط التي تطفح بها قصائده "أي أن فصل الكتابة ذاته يصبح نزفا للذات وهي ترى الانكسارات المتعددة، وهنا يأخذ الشاعر دور الشاهد والشهيد معا عبر تماثل بين ذاته وبين حلمه –نضاله الذي بدأ بالتراجع مما سبب وجعه، وبالتالي برر احتجاجه وإحساسه بالعزلة والدمار" (ص86). وإذن فالمقياس المطبق هنا في فهم الشعر وتقديره هو مقياس التوافق مع الخارج والانسجام مع الذات، ويمكن القول بأن المعلومات التاريخية والشخصية قد لعبت دورها في تقرير هذه التصنيفات والأحكام قبل أن تلعبها بنية النص ذاته بدليل أن النماذج المختارة من الديوان متماشية تماما مع تلك الاستنتاجات ومؤيدة لها، وهو توجه مفهوم على كل حال في النقد الحديث وخاصة حينما يكون هناك تقارب واضح في الرؤية وتداخل ملموس بين خطاب الأدب ونقده.
وهكذا نجد الناقد عبد الله رضوان لا يفصل البتة بين النص وصاحبه ولا بين النص ومرجعيته خاصة في قراءة الإبداعات المندمجة (Intégrées) التي ربما صادفت هوى كامنا لديه، فتكون خلاصاتها التحليلية نوعا من الإشادة الضمنية بإخلاص صاحبها أو وطنيته أو واقعيته الفنية؛ وهو ما يذكرنا بشيء مما كان يفعله "برونتيير Brunetiere" أحد أقطاب المنهج التأريخي في النقد الأدبي الفرنسي الذي كان يجمع بين سيرة الأديب وفنه فيرسم له بذلك "لوحة Portrait" جديدة يقدمه بها للقراء.
وعلى أي فالأمثلة متواترة على هذا التوجه المبرر في النقد الأردني، ولا تكاد الدراسات المنجزة حديثا أن تخلو من ربط أكيد بين الإبداع وصاحبه أو بينهما معا وبين الظرفية السوسيو-تاريخية التي أفرزتهما؛ أو من أن تتضمن على الأقل معلومات خارجية تعود بها على النص والعكس بالعكس. وبين يدينا –بالإضافة إلى ما سلف- كتاب "دراسات في الرواية والقصة القصيرة" للدكتور ابراهيم الفيومي (منشورات وزارة الثقافة الأردنية 1997) نقرأ فيه على سبيل المثال مقالين واضحين: الأول عن "حسني فريز روائيا" والثاني عن "صورة جبرا ابراهيم جبرا من خلال سيرته الذاتية في "شارع الأميرات" حيث يبدأ الناقد مقاله الأول بمدخل يقدم فيه معلومات عن ولادة الأديب ودراسته وعمله وتجاربه؛ وفي ذهنه –ولا شك- قناعة بأن تلك المعلومات ستسهل فهم إبداعاته وستساعد على رسم الصورة المناسبة والحقيقية لشخصيته بما هو روائي كما هو شاعر. يظهر ذلك من قوله مثلا: "وقد انعكست شخصيته كشاعر غزل على العديد من شخصياته المحورية، فكان الحب والغرام حجر الرحى الذي تدور عليه معظم رواياته." (ص65) أو من قوله في تقييم الروايات: "وهذه الخصائص مجتمعة تنسجم مع شخصية حسن فريز كشاعر من جهة، وكرجل إصلاح ومعلم الفضيلة والأخلاق الحميدة من جهة أخرى." (ص 75).
وهذا يعني أن القراءة قد تمت بعين على النص وعين على صاحب النص؛ وبذلك انتهت إلى السؤال المتوقع : "ما موقف حسني فريز من قضايا عصره؟ وما موقعه بين كتاب الرواية الأردنية؟ (ص78) وختمت بالدعاء له: "رحم الله كاتبنا فقد أعطى بقدر ما أسعفته الظروف، وكان أبدا من حماة الفضيلة" (ص 79).
أما المقال الثاني فقد صدر بملخص يقرر عزم الدراسة على "تتبع صورة جبرا من خلال سيرته الذاتية في "شارع الأميرات" التي تلقي الضوء على كثير من أعماله الإبداعية كما تعكس رؤيته الفنية" (ص82) وإذن فالسيرة الذاتية مندمجة في العمل الإبداعي حسب هذا التوجه، وهي التي تلقي الضوء عليه وتحدد رؤية صاحبه فيه، وكلا الوجهين من شخصية الكاتب أو المبدع يمكن أن يفهم أو يعرف بقدر فهم ومعرفة الوجه الآخر، وفهمهما معا فهم لحقيقة المبدع وإبداعه على السواء.
وبعد استعراض أحداث السيرة الذاتية مثلا في "شارع الأميرات" وتحليلها، يخلص الناقد، من جملة ما يخلص إليه، إلى أن جبرا قد ألقى الضوء على العلاقة الحميمة بين حياته الخاصة وبعض شخصياته الروائية والقصصية، كما أشار إلى بعض تقنيات بناء الشخصية في أكثر من عمل روائي، مما يفيد الباحث كثيرا" (ص117-118) وهو استنتاج من صميم إجراءات العملية التأريخية في النقد الأدبي؛ ويتضمن اقتناعا واضحا بالجدلية القائمة بين داخل النص وخارجه، وبتوجيهات الكاتب وآرائه ومواقفه وتجاربه وظروف حياته في فهم ما يكتبه وفي تقدير قيمه وأبعاده، وهو اقتناع ساد ردحا كما أسلفنا، ومثل القاعدة المنهجية في كثير من الأعمال والدراسات؛ ولذلك نجد سليمان الأزرعي أيضا يخط بكل وثوق عتبة صغيرة لدراسته عن تيسير سبول المعنونة بــ"الشاعر القتيل" (منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1983) يقول فيها: "تيسير سبول شاعر وروائي أردني.. ولد في "الطفيلة" وعاش طفولته فيها.. تنقل بين عمان وبيروت والرياض ودمشق.. وكان يحلم "أن يحمل وشم دولة قوية"  إلا أنه رأى خيمة الكيلو 101 على الجبهة المصرية تنجلي عن "صلح" مبدئي مع العدو فأطلق رصاصة على رأسه.. ورحل  " (صCool. وهو يفعل ذلك طبعا لمعرفته بأهمية هذه العتبات في التأثير على القارئ وفي توجيهه، وقد قصد أن يضمنها معلومات محددة ومعينة عن الشاعر ليقدمه في الصورة التي أرادها له وداخل الإطار الذي يختاره، وكأني به يقول للقارئ: هذا هو الشاعر، فماذا ترى أن يكون الشعر الذي تركه؟ ألا يكون في مستوى ملحمة حياته ومماته؟  لقد تم إذن تصنيف وتقويم الشاعر وشعره قبل بداية الدراسة؛ وهذا أهم ملحظ في النقد التأريخي/البيوغرافي الذي طالما قيل عنه بأنه يضع العربة قبل الحصان، ويفتش عن النص فلا يقع إلا على ما حوله  وقد جاء التأكيد في الجملة الأولى من مقدمة الأزرعي التي تركز على ارتباط الأدب بالظروف السياسية والاجتماعية، وفي المدخل الذي خصصه لتقديم شخصية "سبول" ورسم "صورته" بالأبعاد المختلفة كي يفهم أو يبرر إنساحبه المبكر كما يقول؛ وفي الفصول التي حاول فيها شرح ارتباط الإنتاج الأدبي بتطور الأحداث السياسية والتاريخية في الأردن، وشرح معطيات بيئة "سبول" ومراحل حياته التي سيقرأ أدبه في ضوئها، ليبين أن قصائده حزينة وكالحة كأيامه، وأن قصصه مأساوية كانفعالاته وتفاعلاته، مع الأحداث والوقائع التي شتمها "نيابة عن الجميع" (ص143).
وكما أن النقد التاريخي / البيوغرافي يعتمد المعلومات الظرفية والشخصية التي تساعد على فهم شخصية الكاتب الثقافية والفكرية والفنية والاجتماعية وبالتالي على فهم أثره من خلال تلك الإضاءات الخارجية أو التمهيدية، فإنه يحاول أن يكشف عن وجه آخر من وجوه الشخصية المبدعة، وهو ما يتعلق بالجانب النفسي أو التركيبة النفسية التي تحكم الإبداع الأدبي والفني وتحدد تمظهراته حسب المنهج النفسي الفرويدي بالأساس. ويمكن أن تتراوح القراءة النفسية بين المعلومات المتوفرة عن حياة الكاتب وعن نشأته وعلاقاته وتجليات سلوكه النفسي الذي يفسر حمولة كتاباته وشحناتها وتوتراتها؛ وبين ما يقدر فيها من أبعاد نفسية يمكن اعتبارها وليدة الحالة النفسية لصاحبها. وهكذا يكون التحليل النفسي المعتمد على محاولة فهم نفسية الأديب من خلال المعلومات السابقة أو اللاحقة هو الوجه الثاني للنقد التاريخي/البيوغرافي، لأن المعول عليه في نهاية المطاف وفي كل ذلك هو ما يتوفر من معرفة بشخصية الكاتب ظاهرية أو باطنية وهو ما لا يتأتى إلا بتجميع أكبر قدر من المعلومات عنه، أي بالاستفادة من تاريخه العام والخاص.
وإذا كانت الأمثلة المندرجة في الاتجاه التاريخي الخارجي كثيرة في النقد الأردني كما أسلفنا، فإن الدراسات المعتمدة على النقد البيوغرافي والنفسي محدودة جدا، ويمكن أن نعد منها كتاب زهير زقطان: "العلاقة الجريحة" (دراسة نفسية لنماذج من القصة القصيرة في الأردن) (منشورات وزارة الثقافة – عمان 1995) وهي الدراسة التي حاولت -كما يقول المؤلف في المقدمة- "تقصي طبيعة علاقة البطل أو البطلة مع الأب" (ص 7-Cool في عدد من القصص القصيرة لاستخلاص الآثار النفسية والأبعاد التربوية لذلك، فيكون الهدف إذن وحتى في التحليل النفسي هدفا اجتماعيا في نهاية المطاف؛ علما بأن الأبطال والبطلات في الروايات والقصص كثيرا ما يعتبرون ظلالا أو انعكاسات لشخصيات الكتاب، وخاصة في الجانب النفسي منها بالذات. على أن غلبة التحليل السريري بادية في تلك الدراسات وعلى حساب التحليل الأدبي في معظم الأحيان، وكأن النصوص القصصية مجرد اعترافات على لسان البطل أو البطلة، وليست إبداعات فنية متميزة ببنياتها ومكوناتها التي ينبغي اعتبارها ومراعاتها حتى في المنهج النفسي أو البيوغرافي.
إن الناقد يتحدث عن فعل البطل وعن سلوكه وعن علاقاته وعن انفعالاته، وعما يترتب عن ذلك من مدافعات راجعة في نظره إلى الإكراهات النفسية المترسبة عن الممارسات الأبوية المتسلطة التي تتمظهر بكيفيات مختلفة، وكل بطل في الأصل صوت بالطبع من أصوات الكاتب النفسية أو الفكرية أو الوجدانية. وبذلك تعود العملية النقدية في المرجع الأخير إلى المنحى الشخصي والتاريخي ولو من باب التحليل النفسي، لأن النقد العربي –والأردني جزء منه- واقع في هذه المرحلة ضمن هذا التوجه الثقافي العام الذي تحكمه البنية التاريخية قبل البنية المعرفية أو الفنية. ولعل السبب في ذلك أن الناقد العربي -كغيره من المثقفين- قد ظل مشدودا إلى الواقع قريبا منه بحكم ما عرفه هذا الواقع ويعرفه من تحولات وتغيرات وأحداث لا تسمح بالتغافل عنها أو الانفلات منها. وهو ما يسلمنا إلى التعرف على اتجاه آخر قريب من هذا في النقد الأدبي الأردني الحديث، ويمكن أن نعتبره في عمومه نقدا مرجعيا، بمعنى أنه محكوم بهاجس الغاية المرجعية التي يسعى لاستكشافها وتحديدها في النص الأدبي؛ ويكون ذلك هو الهدف الذي يتوخاه الناقد من مقاربته الأدبية. وهذا الاتجاه صادر بطبيعة الحال عن اقتناع برسالة الأدب وبما يمكن أن يتضمنه النص الأدبي؛ وهو ما يجعله يتحدد عموما في النقد الإيديولوجي وفي النقد الاجتماعي وفي النقد الموضوعي والموضوعاتي.
2- النقد المرجعي
أ‌ - النقد الإيديولوجي :
هو نقد مرجعي بالأساس لأنه يتعامل مع النص الأدبي باعتباره ذا حمولة فكرية تمثل الأطروحة التي يدافع عنها أو التي يريد تبليغها؛ ومن ثم فهو نقد مزدوج من الوجهة الإيديولوجية لأنه يقوم على عملية استقصاء البعد الإيديولوجي في النص أو ما يمكن تسميته بالمرجعية الفكرية فيه، كما يقوم على عملية محاسبة إيديولوجية ينجزها الناقد بناء على ما استخلصه من تلك المرجعية فتنشأ من ذلك عملية توافق أو تصادم بين إيديولوجية النص التي قد يسأل عنها الكاتب- وهو ما يعود بنا إلى النقد التاريخي أو البيوغرافي – وبين إيديولوجية الناقد التي قد تنفضح أثناء التقويم الإيديولوجي للنص مهما حاول من موضوعية أو التزام للحياد.
ومن الدراسات التي استهدفت بحث إيديولوجية الخطابات الأدبية في الأردن كتاب فخري صالح: "وهم البدايات" (الخطاب الروائي في الأدرن –المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1993) الذي يأخذ في مقدمته على الباحثين انشغالهم بتاريخ الرواية وإغفالهم لتوجهات الكتابة الروائية، ومع ذلك أو لذلك يقول في تقديمه: "ويبدو من القراءة الأولى لعمل الرزاز أن التساؤل حول الفكر القومي ومستجداته على أرض الواقع هو الأطروحة البارزة لهذا
العمل…" (صCool. ومع أن القراءة الأولى ما هي إلا قراءة استطلاعية كما يقول ميخائيل ريفاتير M. Riffaterre فإن استعجال الخلاصة الإيديولوجية-المرجعية جعل الناقد ينتهي إلى هذا الحكم وفي التقديم؛ الشيء الذي يعني أن إيقاع تفكيره النقدي كان منضبطا على إيقاع الخطاب الروائي الذي هو –في نظره – إيقاع مرجعي- إيديولوجي بالأساس، ولذلك تدور الدراسة كلها في هذا الفلك وتصدر عن هذا المنطلق ولو بمنظار تاريخي أو فني في بعض الأحيان، ومن ثم تنتهي إلى تقويمات إيديولوجية حتى حينما تتحدث عن الجانب التكويني في الرواية. يقول مثلا عن رواية "اعترافات كاتم الصوت" وهو يصنفها ضمن الصيغ التجريبية : "فالرواية تريد أن ترسم مشهدا عبثيا للواقع السياسي التاريخي …" (ص 10).
ورغم أنه يطلب قراءة نوعية للخطاب الروائي، كما يقول فهو يبني ذلك على مقياس التفاضل وعلى ما يسميه بتراتبية النصوص تراتبية تاريخية وتراتبية مرجعية قائمة على التميز في الشكل السردي كما هي قائمة على التمايز في "الأطروحات السياسية والاجتماعية" (ص23-24).
وحينما يدرس أعمال تيسير سبول أو أمين شنار أو غيرهما دراسة نوعية، قد نعود إليها في مكان آخر، فهو ينتهي إلى أن "هيكل العمل يتحدد من اللحظة الأولى بسبب طبيعة الرسالة التي يحملها" (ص29) أو أنه "يمثل مشروعا إيديولوجيا بالأساس" (ص 43) أو غير ذلك من مثل هذه الإستنتاجات التي تندرج ضمن النقد الإيديولوجي مهما توسلت به من ملاحظات أو تحليلات أو تلخيصات أو تفكيكات أو غيرها. (ولو أننا لخصنا الفصول التالية، كما فعلنا بالنسبة للفصل الأول، لوجدنا أن سبول يعمد في كل فصل إلى استخدام هذه التقنية لتوسيع آفاق عمله وجلاء أطروحته الإيديولوجية وجعلها أكثر شمولا وقدرة على تفسير الهزيمة ) (ص30).
ومما يكشف عن هذا التوجه الإيديولوجي في نقد فخري صالح أنه ينطلق من مسلمة ترى بأن الرواية وهي تقدم وثيقة اجتماعية، تتضمن موقفا إيديولوجيا بالحتم، وأن مهمته أن يكشف التعارضات الإيديولوجية التي تفرضها صيغة الرواية ليصل إلى تقييم رسالتها (ص50) والقول بالتعارضات الإيديولوجية أو بتعدد الأصوات كما يقول باختين إجراء تكويني في الرواية لكنه لا يعني الناقد إلا من حيث هو باحث في أسلوبية الرواية وبنائها وليس من حيث هو مسؤول عن كشف ما تتضمنه من إيديولوجية مباشرة ومناقشة صاحبها الحساب 
وبالجملة فالخطاب الروائي في الأردن –حسب فخري صالح- خطاب إيديولوجي بالأساس وجميع الروايات التي عرض لها قد همه في بنيتها ما تنطوي عليه من "رسالة إيديولوجية" تعبر عن رؤية صاحبها أو عن حركية شريحة اجتماعية معينة داخل المشهد السياسي التاريخي المعاصر ومنه ظروف الهزيمة المؤثرة.
يندرج ضمن هذا التوجه النقدي ما كتبه الدكتور ابراهيم خليل أيضا في الفصل الثالث خاصة من كتابه "الرواية في الأردن في ربع قرن" (1968-1993) (منشورات وزارة الثقافة-عمان 1994) عن البطل الإشكالي والبطل الانتهازي، حيث اعتبر أن بطل رواية "الطريق إلى بلحارث" بطل إشكالي (ولعله يستحضر مفهوم كرامشي بطبيعة الحال) لأنه "يعاني من انعدام التكيف مع الواقع ويعاني من أمل الخلاص من هذا الواقع المأساوي". ومثله بطل رواية "جمعة القفاري: يوميات نكرة" الذي يفشل في فهم العالم من حوله ولا يستطيع أن يحقق أي درجة من الإنسجام معه؛ فهو"قفاري""يدين الزيف والعلاقات المصطنعة"(ص51). أما بطل رواية "عو" (لإبراهيم نصر الله) فهو انتهازي وقد انتهت به انتهازيته إلى السقوط في أحضان السلطة (ص52). وهذا التركيز على المواقف الإيديولوجية للبطل في الرواية يعني أن الناقد قد اهتم خاصة بالمنحى الفكري وبالبعد الإيديولوجي ولو أنه يشير أحيانا إلى الجانب السردي أو الجانب الفني في الروايات التي يدرسها.
ب‌ - النقد الاجتماعي :
يمكن القول بأن النقد الاجتماعي يأخذ حصة الأسد ضمن اتجاهات النقد الأدبي الأردني والنقد الأدبي العربي بعامة، وهو النقد الذي يتعامل مع النص الأدبي باعتباره شكلا من أشكال التعبير عن الواقع الاجتماعي وعن الظرفية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي تميزه، ولذلك فهو يقصد بالأساس إلى استخلاص المضمون الاجتماعي في الأدب وربما بكيفية مباشرة وفي كثير من الأحيان يكون ذلك على حساب أدبية الأدب وعلى حساب الجوانب التكوينية الأخرى فيه، ومن ثم يؤخذ عليه في هذا المستوى من التحليل أنه كثيرا ما يحول الخطاب الأدبي إلى خطاب سياسي أو تاريخي أو اقتصادي أو اجتماعي، الأمر الذي ليس من شأنه، وإنما هو من شأن مجالات وعلوم أخرى متخصصة فيه، وليس من حق النقد أن يطالبه به، أو يقف عند حدود تضمنه له؛ والحال أنه قد يتخذ من ذلك مرجعية له، لكنه يتمثلها و"ينصصها" بطريقته الخاصة التي يتبنين بواسطتها ومن خلالها. فتفقد المرجعية أثناء ذلك الامتصاص كثيرا من ملامحها وربما كثيرا من عناصرها لتندمج في سياق جديد وفي تركيبة جديدة خاصة ومستقلة هي تركيبة الإبداع الأدبي؛ ولذلك يكون استخلاصها من الصعوبة بما كان وقد يكون نوعا من "التوهم المرجعي" كما يرى أمثال "م. ريفاتير" مثلا. ومن الجائز أن الغلبة في النقد العربي قد كانت لهذا الاتجاه المرجعي الاجتماعي بسبب انشغال رجالات الأدب نقادا وأدباء بواقعهم وواقع مجتمعهم الذي ظلت فكرة تغييره وإصلاحه هاجسا كبيرا بالنسبة لهم، وحلما دائما يراودهم، ومن ثم يجوز القول بأن مقصدياتهم جميعا قد التقت على خدمة هذا الواقع وعلى تصويره أو التنديد به والمطالبة بتغييره تلميحا أو تصريحا؛ فكان ذلك هدف الأديب الذي عمل إلى تضمين إنتاجه مضمونا اجتماعيا ما؛ وهدف الناقد الذي جعل وكده الكشف عن ذلك المضمون ولو بطريقة قد يقال عنها مباشرة أو متسرعة أو متعسفة على خصوصية الأدب وعلى استقلاليته … 
وفي نطاق هذا التوجه الملحوظ في النقد الأردني كذلك، نجد عبد الله رضوان يضمن كتابه "الرائي" "دراسات في سوسيولوجيا الرواية العربية" (نشر وزارة الثقافة –عمان 1999) ويعلن عن اتجاهه في أول سطر من المقدمة بقوله: "الرواية ألصق الفنون الأدبية بالمجتمع، بل إنها الفن الوحيد الذي يكاد يرى فيه المجتمع صورة ذاته متمثلة ومنعكسة داخل النص الروائي… كما حملت الرواية العربية هموم الإنسان العربي ومشكلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعبرت أيضا عن عقده النفسية التي تكونت من خلال تعايشه مع تلك الهموم والمشكلات" (ص 5). وهذا تصريح قوي بمفهومه للرواية وبوظيفتها التي يحددها لها باعتبارها جنسا أدبيا متميزا. ورغم قوله بعدم التزام منهج معين فهو يشير إلى استفادته من منجزات "علم اجتماع الأدب كما جاء في كتابات لوكاش ولوسيان كولدمان" وإلى أن دراساته تستهدف "استقراء تجليات الواقع الاجتماعي في الرواية العربية" (ص6) الأمر الذي يجعل نقده نقدا اجتماعيا بالأساس كما يتأكد مثلا في الفصل الأول الذي خصصه لــ"تجليات الواقع الاجتماعي في الرواية الأردنية" والذي يقرر في أوله أن "الأدب بمختلف أشكاله يمثل المرجعية المعرفية العامة التي يمكن من خلال قراءته أن يعطينا تصورا عاما حول طبيعة التحولات في الواقع الاجتماعي المصور" (ص9) . وهذا بالإضافة إلى كونه لافتة بارزة للنقد المرجعي الاجتماعي، فيه إصرار واضح على دلالة المضمون الاجتماعي المباشر في الأدب وهو بالمناسبة ما يخالف النقد الاجتماعي الجدلي المشار إليه سلفا والذي لا يتعامل مع النص الأدبي إلا من حيث هو بنية مستقلة ومناظرة فقط لبنية الواقع الاجتماعي المفسرة لها. ولذلك فإن القول مثلا بأن "التحولات الاجتماعية تمثل بؤرة الخطاب الذي تريد الرواية تقديمه" (ص10) قد يكون فيه بعض التضييق عليها أو الإجحاف في حق خطابها المتعدد المستويات والدلالات، ولا سيما حينما نحاسبها بحساب "الوقائع التاريخية" ونعتبر الخروج عليها "تجنيا واضحا" نرتب عليه أحكاما قيمية وتقويمية للرواية (انظر ص 24 وبعدها).
فرغم اعتراف الأستاذ عبد الله رضوان بأن الواقع يمكن أن يصير فنا –كما يعنون الفصل الثاني من كتابه- وحتى وهو يبحث "استراتيجيات السرد" في بعض روايات مؤنس الرزاز، فإنه يؤكد أن "لا قيمة حقيقية للعمل الفني خارج خطابه" وأن دور الرواية المعرفي يكمن في رصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ وأن روايات الرزاز تسجل انهزام الإنسان العربي وتؤكد حالة الخراب القائمة وتدينها… كما تعرف بالتحولات النفسية والاقتصادية والتربوية والثقافية التي تحدث في البنية الاجتماعية… (ص60-62) وهذا ما يرجح الاهتمام بالمضمون الاجتماعي المباشر في الروايات ويؤكد الحرص على الاستخلاصات المرجعية في مثل هذا التوجه النقدي.
أما الكاتب الجزائري الطاهر وطار فهو يشكل -في نظره – ظاهرة فنية متميزة لأنه يحمل هموم شعبه ويعي دوره في خدمة مجتمعه، ورغم البدء بمحاولة "تحليل الجانب البنائي" في روايتيه : "اللاز وعرس بغل" فإن الخلاصات والاستنتاجات تنصب في الدراستين معا على جانب استكشاف المضمون الاجتماعي وتحديد الموقف من الأحداث والوقائع الخارجية ليتم الحكم بأن الطاهر وطار "يعايش مسيرة مجتمعه حتى النخاع، يجيء بالإيجابي لفرزه وتثبيته، ويطرح السلبي لتحديده ومن ثم تجاوزه، والابتعاد عنه، هنا يأخذ العمل الفني دوره الاجتماعي كحالة فاعلة غير معزولة عن حركة مجتمعها" (ص138) ومثل ذلك يقال عن رواية "الوباء" لهاني الراهب الذي "يقف شاهدا وراء الأحداث" "يحمل مبضعا يحاول فيه تحديد هوية هذا المجتمع الذي تنطلـق روايتـه
منه" (ص 172) ولذلك يعتبره الناقد مؤرخا وعالم اجتماع برصد حركة الواقع اليومي ويصور حركة مجتمع بكامله؛ ويعتبر أن فنه يكمن حسب تقييمه في التمثل الجمالي للوقائع الاجتماعية، ومن ثم يكون النقد ناجحا متى ما استطاع استكشاف المرجعية الاجتماعية التي يتضمنها ذلك الخطاب.
وفي متابعته النقدية يعتبر عبد الله رضوان أن رواية "العشاق" لرشاد أبي شاور رواية تسجيلية وثائقية لأنها تنقل الواقع اليومي في المخيمات الفلسطينية وتؤرخ لفترة من التشرد بين عامي 1948 و1967 كما تحدد ارتباط الثورة بوعي الطبقة البرجوازية الصغيرة المتمثلة في شريحة المثقفين وخريجي الجامعات، مع عدم إغفال توجهات أخرى… فهي إذن رواية واقعية اجتماعية بامتياز، والنقد الذي مورس عليها نقد اجتماعي كذلك بامتياز لأنه انصب على ملاحظة مدى الانعكاس الآلي للواقع الاجتماعي في الرواية وتعامله معها كأنها وثيقة اجتماعية / تاريخية مباشرة ولذلك يحمد للكاتب فيما يسميه الناقد "الجانب المعرفي" أنه قد نجح في "التسجيل الصادق الأمين لحياة المخيمات وحركة الفعل فيها" (ص193) ويقيم الرواية في الأخير بأنها "تجربة جادة في الرواية الفلسطينية لطرح رؤية توثيقية لواقع الإنسان الفلسطيني في الفترة الممتدة ما بين 48 حتى الشهور القليلة التي تلت حرب حزيران 67 بأمانة وإتقان شديدين" (ص198). وحينما ينتقل الناقد في متابعاته كذلك إلى رواية "من يجرؤ على الشوق" للكاتبة السورية حميدة نعنع، كي يقدم "دراسة في الخطاب السياسي" كما يقول في العنوان؛ فهو لا يرى فيها إلا تعبيرا عن إيديولوجية انتكاسية تقول بفشل التنظيمات السياسية العربية وتؤول إلى الاغتراب والعدمية والمنفى، مما يشكك في جدوى العمل بمجمله  (ص 204).
وعلى كل حال فالمنطلق غالبا في دراسات هذا الناقد، أن يتتبع حركة "مجتمع النص" التي تفضي في تأويله إلى استيعاب حركة المجتمع الخارجي أو الدلالة عليه، ومن ثم يتم تقييمها بمقدار مصداقيتها في تصوير ذلك المجتمع أو بمقدار شمولية ونفاذ النظرة الاجتماعية فيها؛ وهذا يعني أن الموئل في منهجه النقدي يعود في الأخير تقدير مدى الحقيقة الاجتماعية الثاوية في الخطاب الأدبي.
ومثل هذا التوجه في البحث عن المرجعية الاجتماعية للأعمال الأدبية يسلكه سليمان الأزرعي كذلك في دراساته عن "الرواية الجديدة في الأردن" (نشر وزارة الثقافة – عمان 1997) ويقصد بها رواية الثمانينيات فيما بعد. وقد أبان عن اتجاهه النقدي منذ المقدمة حيث ركز على تميز الرواية الجديدة في معالجة القضايا الاجتماعية مثل الحرية والديمقراطية والتشكلات الاجتماعية وما إلى ذلك (ص7) وعنون الدراسة الأولى بـ"رواية القمع السياسي" فاعتبر أن رواية "حافة النهر" لعلي حسين خلف صرخة في وجه الديكتاتورية العسكرية لأنها تصور تضحيات وممارسات كثيرة لكن عيبها أن حقيقة وإمكانيات الشخصيات فيها لا تنسجم وحقيقة ما يجري أو يمكن أن يكون في الواقع الخارجي؛ ومع ذلك فإيجابيتها تكمن في تصوير ما يهفو إليه الشعب وما يتعلق به. كما اعتبر رواية "عو" لابراهيم نصر الله تصويرا لسياسة فن تدمير الإنسان بالترهيب والترغيب، وذلك أيضا من خلال تقديم "نماذج بشرية محددة تتحرك في هدي تكوينها الثقافي وبنائها السيكولوجي" (ص 18) رغم بعض المبالغات الملحمية في الأحداث والمصطرعات الداخلية التي خلقت مناخات خاصة كما خلقتها رواية "اعترافات كاتم صوت" لمؤنس الرزاز الذي "كرسها بالكامل لمناقشة موضوع الإرهاب والقمع السياسي وقضيتي الحرية والديمقراطية" (ص 28) وفضح التشكيلات الاجتماعية العاجزة عن حماية ثبات النموذج التقدمي.
وفي نفس الخط يتحدث الناقد في دراسات أخرى عن "دمارات المناضل القومي" وعن "ألبوم الذاكرة الاجتماعية" وعن "مخاض الولادات الجديدة" وعن "مواجهة الهزيمة" وعن "وثائق التحول الاجتماعي والكفاح الوطني" وغيرها؛ وفي كل ذلك محاولات مصرة لالتقاط المضمون الاجتماعي أولا وقراءة أبعاده الداخلية والخارجية ومعارضتها بالأحداث العامة والوقائع التاريخية؛ لأن المعتقد في هذا التوجه أن "الوعي المعرفي بالقوانين الاجتماعية التي يقوم عليها أساس التحولات الاجتماعية، يمكن أن يقدم للروائي أكبر المعونات، بصدد رسم الحركات الكلية لأحداث روايته، وتبرير اتجاهات الأحداث وسلوكيات الأفراد، في ضوء إدراكه للعلاقات الجدلية القائمة بين السلوك الفردي والجماعي للأبطال وبين التحول الاجتماعي…" (ص 227) .
وإذن فهناك ربط مباشر بين الوقائع الاجتماعية الخارجية وبين كيفية تبنين الرواية بما هي جنس أدبي، والذي يحكم العملية النقدية في هذا التوجه هو البحث عن مدى ملاءمة أحداث الرواية لتلك الوقائع وكيف تتجلى في صياغتها وهو ما يجعل منه نقدا مرجعيا اجتماعيا بامتياز كما أسلفنا.
على أن هذا النقد قد يسائل النص الأدبي من حيث المحتوى الاجتماعي المرصود حسب الوقائع التاريخية أو الوضعيات الاجتماعية أو الحالات الفئوية أو ما إلى ذلك؛ وقد يسائله من حيث تتبع موضوع بعينه يريد الناقد أن يسجل كيف عالجه الأديب، أو يرى أنه يشكل المرجع الأساس في دلالة عمله الاجتماعية ومن ثم يخصه بالتحديد والاستقصاء؛ فيدخل عمله إذن ضمن النقد المرجعي لكنه منصب على موضوع محدد. والنقد الموضوعي شائع في النقد العربي الحديث لأنه منبثق من النقد التاريخي الذي شكل الاتجاه الكبير في معالجة قضايا الأدب والأدباء وقضايا الأدب والثقافة المعاصرة، كما يمكن القول بأنه وليد النقد الغرضي الذي بقي منه الكثير في الذائقة الأدبية العربية ولا سيما في مجال الشعر وما يتطرق إليه. وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين النقد الموضوعي والنقد الموضوعاتي ولو أنهما قد يحسبان على النقد المرجعي معا؛ إذ يسائل الأول النص الأدبي عن الموضوع الذي يعالجه والذي يشكل مرجع إرساليته، في حين يبحث الثاني عن شبكة الجذور أو التيمات التي تسهم في تكوينه وتقود تفكير الأديب أثناء بلورة طروحاته وإنشاء أعماله… وسنكتفي من هذا الاتجاه البين في النقد الأردني كذلك بأخذ أمثلة واضحة من الدراسات التي تتبعت موضوعات بعينها في الرواية أو في القصة أو في الشعر كموضوع الريف وموضوع السجن وموضوع الانتفاضة وموضوع الاستشهاد وموضوع المرأة وموضوع الطفل وما إلى ذلك.
ففي كتاب "النموذج وقضايا أخرى" (رابطة الكتاب الأردنيين) الذي هو دراسة في القصة الأردنية القصيرة (70-80) يمهد الناقد عبدالله رضوان بمدخل يبين فيه غلبة التوجه الموضوعي في تقييم الأعمال الإبداعية في الأردن ويرى أن "المهم ليس هو الموضوع بقدر أهمية تقديمه" (ص21) .
وقد خصص الفصل الرابع كله لموضوع "المرأة في القصة المحلية"، فعرض للقصص التي تطرح وضعية المرأة في مختلف الأوساط وفي مختلف التقديرات والأدوار، لكن الذي يعزز انتماء عمله للنقد المرجعي دائما هو انطلاقه أولا من اعتبار "الأدب ليس سوى انعكاس خلاق للواقع القائم بظرفه التاريخي الاجتماعي، ومن هنا فإن وجهة نظر المجتمع إلى المرأة في علاقاته اليومية، نلمحها منعكسة إلى درجة بعيدة في وعي القاص، ومن ثم في تعامله مع المرأة كموضوع أدبي" (ص123).
وبغض النظر عن مناقشة مفهوم الانعكاس في الأدب، يمكن القول بأن رؤية الناقد قائمة على الربط الوثيق بين الأدب وظرفيته ولو على مستوى الموضوع الواحد، وأنه يهدف بعمليته النقدية إلى استخلاص مرجعية النص الأدبي، أي إلى معرفة الصورة الإدراكية التي تقوم في الذهن بعد قراءته، وهي –في نظره- الصورة التي وقرت في وعي الأديب قبلا وسبكها في أدبه كي يقع عليها القارئ والناقد. وهو ما تؤكده "النتائج" التي خلص إليها الفصل من مثل اعتبار النظرة المتخلفة للمرأة سائدة في الأدب المحلي، أو التعامل مع موضوع المرأة بنوع من التجزيء ومن السطحية وربما لضرورة تأثيث السرد القصصي أكثر، وعدم بلورة التغيرات الاجتماعية الحقيقية في مجاله، والاقتصار على المحيط القريب وما إلى ذلك؛ والحال –عنده- أن "تثوير واقع المرأة في الأدب لا يكون معزولا عن تثوير المجتمع نفسه" (ص157) وكل هذا من صميم التوجه الموضوعي في النقد الاجتماعي للأدب، الذي يظهر كذلك في دراسات ابراهيم خليل الذي يتتبع موضوعات معينة مثل الريف والسجن والانتفاضة والاستشهاد وأطفال فلسطين وغيرها؛ وهي موضوعات اجتماعية كما نرى، بمعنى أنه يسعى كذلك إلى اكتشاف حقيقتها بما هي مرجع اجتماعي تكويني في بنية النص الأدبي؛ وإذا أردنا أن نعيد معه بناء الفرضية الأساس في مساءلة ذلك النص، فهذا يعني أننا نؤمن أصلا بأن الموضوعات الاجتماعية القائمة تشكل رافدا حتميا للإبداع الأدبي الذي يقوم بتشكيلها أو بإعادة إنتاجها في صيغته الخاصة لكنه لا يستطيع طمس معالمها كحقيقة مرجعية سيعمل النقد على إعادة إبرازها بالقدر الذي يوفره النص منها، ومن ذلك المنطلق سيتأتى تقويمه وتقييمه تقييما مرجعيا اجتماعيا موضوعيا في الدراسة أو في العملية النقدية. وهذا ما قام به الدكتور ابراهيم حينما اعتبر أن فهم بعض النصوص مرتبط بتكوين فكرة صحيحة وتامة عن الموضوعات التي تعالجها، فالذي لا يعرف حقيقة الريف الأردني ولا عاداته ولا التطورات التي مر بها، لا يمكن مثلا أن يفهم رواية "العودة من الشمال" لفؤاد القسوس ولا رواية "وجه الزمان" أو "حائط الصفصاف" لطاهر العدوان الحافلة بالمعطيات الخاصة (انظر مقاله في : الرواية في الأردن في ربع قرن ص 57 إلى 84) كما أن البحث في موضوع الانتفاضة الفلسطينية في الأدب محفوف بالمصاعب لأن "الأدب نفسه مازال عاجزا عن أن يكون في مستوى الحدث شكلا ومعنى، وما يزال الأدباء يترددون في الخوض في تجربة الإنتاج الإبداعي الذي يلامس غور هذه التجربة الجديدة." ولأن النصوص التي تعالج هذا الموضوع معبأة بشحنات بيئية وتاريخية واصطلاحية ذات أبعاد دلالية خاصة موزعة ومبثوثة في "التيمات" الفرعية مثل الطفل والحجارة والمعتقل والاستشهاد والشهيد والمقلاع والرفض والركض والرفس والضرب والدرب والفضاء والتصريح والتسريح والشعب وما إلى ذلك، وكل هذه المرجعيات تمثل معيار الأدب الناجع في استنهاض الهمم وإثارة المشاعر وليس في "استثارة المزاج النقدي، والحساسيات الأكاديمية في الأدب والفن…" .
وعلى ما في هذا الخطاب النقدي من صحة ومن حماس للموضوع وتحمس للخلاصات المرجعية الأصيلة والأصلية بزاد معرفي مكين، فإن النقد المرجعي الصارم، ولا سيما في الدراسات السوسيو-نصية المعاصرة- يستبعد الأحكام المسبقة ولا يريد الوقوف على الحقيقة المرجعية إلا من خلال النص أولا وبالذات وحسب معطياته الفنية والتكوينية بالأساس، وإلا فقد يكون في الاستعانة بما هو خارج عنه أو سابق له نوعا من التجاوز له أو لخصوصياته، وقد يكون فيه من الانشغال بموضوعه أو بما حوله أكثر مما فيه من الانشغال به وبحقيقته وتحققه؛ وعلى ذلك فالنقد الموضوعي المرجعي ذو خطين متوازيين له ما لهما وعليه ما عليهما.
هذا وقد ألمحنا إلى تعدد الموضوعات الفرعية في أدب الانتفاضة أو ما يسمى في النقد الموضوعاتي بالتيمات الصغرى وهي الجذور التي تتعالق في بنية الموضوعة الكبرى؛ وبما أن النقد الموضوعاتي يحكمه تفكير بنيوي وظاهراتي حيث يعتبر أن العمل الأدبي أو الأعمال الأدبية تتأسس بناء على التفاعل الحاصل بين الوحدات الفكرية المتعاودة أو الملحة التي تنم عن مقصدية الأديب وتوجه تفكيره. وبذلك يلزم الناقد الموضوعاتي أن يقوم بعملية تنضيد ودراسة محايثة لأعمال الأديب أو لمجموعة من الأعمال كي يكتشف شبكة الجذور أو الأفكار الجزئية المتكررة والفاعلة في تكوين الموضوعة الكبرى المسيطرة على النسق الإبداعي والرؤيوي للأديب؛ وحينما يعرض عبدالله رضوان لـ"توهج الذكرى" عند غسان كنفاني ويشرح التداعيات التي تتجمع عند بؤرة انشغاله وهوسه بفلسطين التي هي الأرومة كما يقول فنحن نستنتج أن تلك هي الموضوعة الثاوية في أدبه، ونفترض، أن نقد عبدالله رضوان نقد مرجعي موضوعاتي ولا سيما حينما يستشهد بقولة غسان نفسه: "إن فلسطين تمثل العالم كله في قصصي." أما إلى أي مدى تحضر مقولة هذا المنهج وإجراءاته فهذا حديث آخر.
3 - النقد النصي :
نقصد بالنقد النصي ذلك النقد الذي يتجاوز المؤلف وظروفه أو العالم الخارجي وظروفه لينصب على النص الأدبي مباشرة فيدرسه من حيث لغته وتراكيبه وبنياته وما إلى ذلك؛ وإذا كانت المواجهة في النقد التاريخي أو البيوغرافي تتم بين الناقد والمؤلف أي رأسا لرأس كما يقول "بيير كوينتز P. Kuentz " فهي في النقد النصي تتم بين الناقد والنص أي رأسا لنص كما يقول "روجي فايول R. Fayolle"
ويتميز النقد النصي عامة بكونه يسعى إلى فهم الأثر الأدبي في حقيقته الخاصة والمباشرة لأنه لعبة معقدة من البناء والتكوين يصعب فهمها من خارجها أو بواسطة أحكام مسبقة عليها، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتجاه النقدي ليس جديدا أو هو وليد التفكير البنيوي أو الشكلاني فحسب وإنما هو قديم قدم الأدب نفسه، وإن لم يكن بهذه الدرجة والقوة والتنظير المحكم، وقد كانت البلاغة العربية وما زالت تهتم بالتكوين اللغوي والجمالي للنص، فقننت الصيغ التعبيرية المألوفة وميزتها، ثم جاءت الأسلوبية أو الأسلوبيات المعاصرة لتفتح المجال أمام مختلف القيم والمتغيرات الأسلوبية العاملة في بناء النص وصناعة الخطاب، وذلك باستفادتها من الدرس اللساني ومن الأبحاث اللغوية التي أفادت النقد الأدبي من وجهة أخرى كذلك كما أفادته الشعرية والسيميولوجيا وعلم الخطاب وما إلى ذلك. وعلى كل حال فالنقد النصي يمتح من تنظيرات معاصرة يمكن القول بأنها تلتقي عند هدف مشترك هو محاولة إيجاد معرفة متطورة بحقيقة النص الأدبي وبأدبية الأدب كما يقول البعض. وبصدد الدفاع عن هذه الميزة الأدبية وعن ضرورة التركيز على النص والاقتصار عليه من أجل إبرازها يمكن التذكير بمقولة شيخ النصيين "رومان جاكو بسون" الذي يشبه فيها الاتجاهات الأخرى في الدراسات الأدبية ولا سيما الاتجاه التاريخي بالشرطة التي تريد القبض على شخص معين فتحجز كل ما في البيت ومن في الشارع وقد يفلت الشخص؛ فهي تستخدم السيرة الذاتية للأديب كما تستخدم علم النفس والفلسفة والسياسة وتتناسى أن لهذه العلوم مجالات أخرى موافقة لها، ولا يمكن أن تجد في الأثار الأدبية إلا معطيات ناقصة وثانوية بالنسبة لها.
إن الناقد –كما يرى رولان بارت R. Barthes – لا يمكنه أن يطمح إلى "ترجمة" الأثر الأدبي إلى أثر أكثر وضوحا، إذ ليس هناك أوضح من الأثر نفسه، لكن الذي يستطيع القيام به هو "توليد" معنى معين باشتقاقه من شكل معين هو الأثر (أو النص) ."
وإذن فالنقد النصي يركز على مكونات النص الذي يعتبره علامة أو دالا ينبغي أن يبحث له عن مدلول أو مدلولات. ومن الجدير بالملاحظة أن مثل هذا النقد لا يأخذ حيزا كبيرا في سجل النقد العربي الحديث، ولربما يعود الأمر كذلك إلى ما أشرنا إليه من علاقة الناقد مع الواقع ومن حمله لهم المجتمع قبل هم النص، وربما اعتبر الانشغال بالمكونات الفنية والبنيوية فقط نوعا من الرفاهية الفكرية والثقافية والنقدية لما يفرغ لها بعد؛ كما أن فكرة التعرف والتنسيب المترسبة من طول اشتغالنا بالمنهج التأريخي قد تجعلنا نحس بأن الدراسة المحايثة التي تبدأ بالنص رأسا وفقط ربما تكون متسمة بنوع من التقصير أو بنوع من القفز على ما ينبغي العلم به قبل التصدي للنص، وبذلك فهي –وغيرها – ما زالت تستغرق مساحة وجهدا في مجال التراكمات النقدية المعاصرة. يقول الناقد الأردني غسان اسماعيل عبدالخالق الذي عنون دراسته بــ"الزمان، المكان، النص – اتجاهات في الرواية العربية المعاصرة في الأردن (80-90)" وكأنه يعتذر عن تجاوز المسح التاريخي إلى المغامرة النصية. يقول: "ولابد لي، أيضا، من الإشارة إلى أن هذه الدراسة ليست مما يندرج في سياق التأريخ أو التوثيق للرواية في الأردن. إذ هي تتجه إلى محاورة النص دون التورط في مقدمات تاريخية مسهبة، ولا شك في أنني ما كنت لأطمئن إلى هذه الوجهة التطبيقية المحضة لو لم تتواتر في السنوات الماضية دراسات لنقاد ودارسين من الأردن، تضمنت جهودا توثيقية وتأريخية، أراها كفتني مؤونة كتابة فصل تأريخي أو توثيقي" .
ومما يدل على أن في نفسه دائما شيء من هذه التاريخانية التي تشوب النقد النصي أنه يؤكد في العنوان على المعاصرة ثم يحدد الفترة بعشرية الثمانينيات. وحينما يخلص في الدراسة لبحث مقولة الزمان في بعض روايات "مؤنس الرزاز" فهو لا يبحثها كتقنية بانية مثلما هو الشأن في علم السرديات "La narratologie"، وإنما كرؤية فكرية أو فلسفية في التعامل مع تجربة الزمن السياسي والقومي والسلطوي والثوري وما إلى ذلك؛ بمعنى أن الدراسة ليست نصية/نصية، وإنما هي نصية تاريخية أو نصية بسند إيديو-اجتماعي، ولذلك نقرأ في بعض تعليقاته مثل قوله: "إن سؤال المعرفة، المعرفة بمعناها الشمولي، هو الدافع الرئيسي الذي تعزز بتأثير من تجربة مؤنس الفاجعة" أو مثل قوله : "لقد كتب مؤنس الرزاز رواياته الست متأثرا برواية تيار الوعي في الغرب وفي العالم العربي."
وفي الحديث عن "تجربة المكان" عند جمال ناجي يقرر أنها "تنتمي إلى التيار الواقعي" وأنها تحمل هما جمعيا ولو فيما ينم عن شغف الكاتب بالمكان وتفاصيله.
ومن الدراسات التي قد تحسب على النقد النصي كذلك ما خص به ابراهيم خليل "بنية الشكل في الرواية الأردنية" حيث تتبع "معمارية" الرواية عند ليلى الأطرش مثلا فلاحظ التفاوت في البناء وفي توظيف الأشخاص وفي تنوع السرد؛ كما تتبع اشتغالات الأفضية والسرد عند مؤنس الرزاز في "الذاكرة المستباحة" وعند جمال ناجي في "الحياة على ذمة الموت" لكنه يخلص إلى استنتاجات مرجعية أكثر منها نصية/ بنائية من مثل قوله: "في "الذاكرة المستباحة" محاولة لاستعادة المدينة، بما كان يميزها من الطهر والبراءة، والبعد عن الفساد… الإداري والمالي، أما في رواية "الحياة على ذمة الموت" فهي لم تعد عنصر جذب بالنسبة لنوفل، بل هي مدينة نبذت نوفل عندما حاولت أن تنبذ الفساد، وهي ما تزال تحاول أن تنبذ آخرين ممن لم تسقط الأقنعة عن وجوههم بعد…" .
أما عبد الله رضوان فيخصص فقرة لـ"استراتيجيـات السرد" في رواية "سلطان النوم وزرقاء اليمامة" لمؤنس الرزاز يدرس فيها البنية العامة للنص من حيث التوزيع ومن حيث وضعية الراوي والشخوص ومن حيث استخدام بعض التقنيات السردية مثل التداعي والوصف والحوار وما إلى ذلك، لكنه لا يقنع ولا يريد أن يقنع إلا بالتساؤل عن "طبيعة الجانب المعرفي الذي يقدمه لنا هذا العمل؟ فالبعد المعرفي في الفن هو أحد مبررات وجوده الرئيسية، بالتالي فلا قيمة حقيقية للعمل الفني خارج خطابه، وعيه، مقولاته المعرفية التي أمكن تمثلها فنا، من هنا تبدو مشروعية السؤال قائمة حول طبيعة وقيمة البعد المعرفي –الخطاب في رواية "سلطان النوم وزرقاء اليمامة".
هذا وقد خصص الفصل الأول من كتابه "البنى السردية" لا ستعراض "تقنيات القص في القصة القصيرة الأردنية" مستشهدا بداية بقولة لإلياس خوري من وقائع ندوة نظمها اتحاد كتاب المغرب سنة 1983 بمدينة مكناس حول "القصة القصيرة". وقد أقام عليها افتراضات تقنية حاول من خلالها أن يتعرف على بنيات القصة القصيرة في الأردن مثل السرد والحوار والوصف والتداعي والمنولوج واللغة وما إلى ذلك من خلال نماذج معينة، وبغض النظر عن مدى عمق الدراسات أو النتائج العلمية التي حققتها، فهي دراسات يمكن تصنيفها عموما ضمن النقد النصي الذي يلتزم ببحث المكونات النصية، ولا يكاد يخرج من النص إلا ليعود إليه؛ لكن ثمة أيضا ما يذكرنا بالاتجاه الأصلي للناقد كقوله: "إن تناول نص أدبي بمعزل عن شرطه التاريخي يشكل منزلقا خطيرا يوقع النص والدارس في إشكالية ليس من السهل تجاوزها، لماذا؟ لأن كل نص أدبي يرتبط بشكل حاد –مباشر وغير مباشر- بظرفه الخاص والعام، ببنيته وبوعيه الثقافي والتاريخي. ومن هنا يتوجب علينا تحديد تاريخية النص الأدبي عن دراسته…" .
وتبعا لمثل هذه الإشارات يمكن القول بأن بعض هذا التوجه في النقد النصي لم يكن دائما خالصا مخلصا من النظرات التاريخية والاجتماعية؛ وربما ذلك لأنه لم يتدعم بما يكفي من المفاهيم النصية ولم يلتزم بطرائق محددة في التحليل النصي كتطبيق مقولات علم السرد أو إجراءات علم الأسلوب أو مكونات الخطاب أو نظريات بناء المعنى أو ما إلى ذلك من المعارف الخاصة بعلم النص ومحدداته ومقوماته؛ لكن هذا الحكم لا ينسحب بالتعميم، لأن هناك ما يؤكد حضور النص بشكل قوي وبين مثل الدراسة الجادة التي أنجزتها رفقة محمد عبد الله دودين حول: "توظيف الموروث في الرواية الأردنية المعاصرة" والتي بنتها كلها تقريبا على فكرة الجامع النصي والتناصي بين نماذج من التراث ونماذج من الرواية الأردنية المعاصرة. وقد مهدت لها بطرح مركز ومفيد لمفهوم الموروث ومفهوم النص والتناص، واستطاعت أن تشغل تلك المفاهيم في إيجاد وإبراز لحمة النص الروائي الأردني المعاصر القائمة على توظيف الموروث الديني والتاريخي والأدبي والفكري والنفسي والحضاري من أجل بناء تركيبة خاصة تميزه؛ وانتهت الباحثة إلى تسجيل مدى حضور وفعالية ذلك التوظيف بوصفه عامل تقدم في صناعة الرواية وتميزها الذي هو تميز للذات المبدعة كذلك. وإذا كان "ميخائيل باختين" قد أقر مبدأ الحوارية بين النصوص، فإن "رفقة" قد أثبتت أنها حوارية بانية وبناءة في الرواية الأردنية.
ولما كان الخطاب في هذا العرض قد ألزم نفسه بأن يكون تصنيفيا تحديديا بالأساس فهو لا يملك أكثر من أن يسجل انتماء هذه الدراسة إلى النقد النصي بامتياز؛ كما يسجل مدى فعالية تشغيل مفهوم التناص فيها، ولو أنه طعم بما يمكن تسميته تجاوزا "بالتناص النفسي" وهو مستوى آخر من التفاعل قد نصادفه في القراءة النفسية لكننا لا نصادفه في التركيبة السردية من حيث هي تقنيات بنائية فقط، كما أن القراءة الاجتماعية والفكرية التي تمت في الفصل الثالث تدعو إلى تشغيل مستوى آخر من التناص هو ما تسميه "جوليا كريستيفا" بالتناص الخارجي أو "الإيديولوجيم" وهو ما يتجاوز تقاطع نصوص مختلفة من أجل تكوين بؤرة نصية جديدة، إلى تقاطع أنظمة متعددة كنظام التاريخ أو المجتمع أو السياسة أو الاقتصاد مع نظام اللغة أو الرواية من أجل تكوين نظام نصي جديد، يمكن أن يتمثل مثلا في النظام أو الكيان التعبيري الذي أوجدته الرواية الأردنية ليس بامتصاص نصوص معينة فقط وإنما بامتصاص كيانات معرفية وأنظمة قائمة. والحق أن الباحث مهما كان موضوعيا لا يستطيع أن يمنع نفسه ولو داخليا من إبداء إعجابه بمثل هذه الدراسة الجيدة الجادة المفيدة المستفزة.
بقي أن أشير في اتجاه النقد النصي إلى أعمال أخرى تعتمد النص منطلقا لها؛ والكثير منها يعتبر قراءة حرة أو قراءة انطباعية فقط وقلما تتوافر لها شروط الانطباعية الفاعلة من دقة الحس وسمو الذوق وعمق الخبرة الفنية مثلا، ولذلك لا داعي للتوقف عندها.
في حين نجد أبحاثا مستجدة تحاول الخوض في التوجه القرائي المعاصر بتشغيل بعض مفاهيم القراءة ونظرية التلقي في معالجة النصوص؛ ومن ذلك مثلا كتاب: "استراتيجيات القراءة – التأصيل والإجراء والنقدي" لبسام قطوس. وهو كتاب يحاول في دراساته التطبيقية أن يستعين ببعض المفاهيم الحديثة من النقد النصي مثل التفكيكية والشعرية والأسلوبية وغيرها، لكنه يأبى إلا أن يكون مرجعيا في الكثير من تعليقاته أو من خلاصاته واستنتاجاته. ولذلك يمكن القول بأن نقده نقد نصي يستهدف المرجع أو نقد مرجعي عن طريق ما هو نصي.
فقد عرض الدارس في الفصل الأول مثلا لبعض مفاهيم التفكيكية عند "جاك دريدا" Jacques Derrida كمفهوم "الاختلاف" ومفهوم "مركزية العقل " (Logo-centrisme) و"علم الكتابة Grammatologie " وما إلى ذلك، ثم حاول "تفكيك" قصيدة "تنويمة الجياع" للجواهري مشيرا إلى مفارقة الجوع والنوم التي استخلص منها معنى غائبا مستحضرا هو معنى التحريض والتثوير، ورأى أن الحالة تنطبق على الأمة العربية وما يراد بها؛ ومن ثم يصل إلى مرجعية النص فيما يريد قراءته أو تحليله أو هدمه و تفكيكه. ويحاول في الفصل الثاني أن يبحث في قصيدة: "شتاء ريتا الطويل" لمحمود درويش عن " النص الغائب" في "النص الحاضر"، فيجده في البنية الترميزية التي تفسر استحالة استمرار علاقة الشاعر وصاحبته أو استحالة التقاء ماضيه المثقل بحاضرها المغرق، وهكذا يتقاطع الحلمان أو تتقاطع المرجعيتان: "حلم ريتا في أن تمتلك محمودا على طريقتها، وحلم محمود الإنسان في أن يعود الناس أمة واحدة كما كانوا وهم في رحم الغيب في صلب آدم." وهكذا يتبين له التناقض بين النزعة اليهودية والنزعة الفلسطينية، وهكذا تنتهي القراءة إلى قراءة مرجعية بعد أن بدأت قراءة نصية… ويبحث الناقد كذلك عن "مظاهر من الانحراف الأسلوبي في مجموعة "وجوه دخانية في مرايا الليل" لعبدالله البردوني" مستعينا ببعض آراء من كتبوا عن هذا المفهوم من العرب والغربيين ومحاولا الكشف عن انزياحات النص المدروس سواء على مستوى اللغة والتركيب أو على مستوى التوازي والتضاد الذي "يكتسب شعريته من خلال طبيعته البنيوية" كما يقول؛ وإن كان يولد "لامعقولا" هو مصدر شعريته. ومن ثم يرى الناقد أن الانزياح الأسلوبي نابع عند الشاعر "من قدرته الإبداعية في الخطاب الأدبي، وفي خلق لغة جديدة تهدم المألوف، لتبني على أنقاضه لغة شعرية…" ومع ذلك فهناك عين على "المعقول" الكامن وراء "اللامعقول" الناتج عن تلك المنافرات والانزياحات ولو من خلال استقراء ما تعنيه وهي تقول غيره، ليكون للنقد المرجعي أيضا حضور حتى في صميم النقد النصي أو الأسلوبي بمختلف تمظهراته وتشكلاته.
وتبقى الإشارة جديرة أيضا إلى أن المغيب حقيقة في "استراتيجيات القراءة" هو مفهوم "القراءة" بالذات ومفهوم القارئ كذلك، وهي المقولات التي ترتكز عليها نظرية التلقي كما نظر لها المتأخرون أمثال "هـ. ياوس" و"و. إيزر" و"أ. إيكو" وغيرهم، ولعل الحقيقة أن النقد العربي الذي يريد أن يكون نصيا لا يستطيع إلا أن يكون مرجعيا في نهاية المطاف؛ ولا يمكن أن يشكل هذا الاتجاه في النقد الأردني استثناء خاصا.
وبعد، فالذي يظهر من هذا الاستقراء السريع لتراكمات النقد الأدبي الأردني الحديث والمعاصر الجيدة والجادة أنها قد تستعصي على التصنيف في كثير من الأحيان لأنها تستدعي مختلف التوجهات النقدية وفي الدراسة الواحدة غالبا مما يتطلب التوقف مليا لتبين مقصدية الناقد، وتجلية نوعية ومجالات الأسئلة التي يواجه بها النص المدروس؛ والظاهر أن الهدف يبتدئ فنيا وأدبيا في القصد الأولي لكنه سرعان ما يتحول إلى نقد تاريخي، بيوغرافي إذا عورض النص بظرفيته أو بسيرة صاحبه؛ وإلى نقد مرجعي إذا عورض بروافده التاريخية أو الواقعية أو الاجتماعية وغيرها؛ وإلى نقد نصي إذا عورض ببعض المكونات أو المفاهيم البنائية والأدبية التي لا تخلو من دلالات مرجعية ولو في أبعادها الخفية… وتلك هي الاتجاهات الكبرى في النقد الأدبي الأردني التي لا يمكن أن تكون نهائية بحال، والتي لا توجد بينها حدود صارمة وفاصلة على كل حال….
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manahijnaqdia.yoo7.com
 
اتجاهات النقد الأدبي الحديث في الأردن الدكتور محمد خرماش أستاذ النقد الأدبي والمناهج المعاصرة جامعة سيدي محمد كلية الآداب والعلوم الانسانية فــاس - المغـرب1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر :: أبحاث و دراسات-
انتقل الى: