منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر

منتدى يعنى بمناهج النقد الأدبي المعاصر .
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد خرماش
Admin



المساهمات : 44
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
الموقع : أستاذ باحث

النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات Empty
مُساهمةموضوع: النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات   النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات Emptyالجمعة مايو 30, 2008 2:37 pm

الدكتور محمد خرماش
ص ب :379 – مكناس – المغرب
هـ: 00 212 68 47 89 14 فاكس: 00 212 55 51 67 76 mkharmach@hotmail.com

" النظرية الاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات"
إن الإشكالية الكبيرة التي تواجه الباحث في الدراسات الأدبية ، هي إشكالية تحديد الخطاب ؛ ذلك أن الأدب قد يقول شيئا ويعني شيئا آخر ، ومن ثم فهو عرضة لتأويلات كثيرة ومتعددة بتعدد القراء والأزمان والظروف ، وقد نتج عن ذلك تعدد أيضا في المناهج والنظريات التي تشكل الخلفية الفكرية والثقافية التي يستند إليها القارئ المتلقي أو الدارس الناقد للإبداع الأدبي . ومن ثم فقد أُنتج في دراسته عدة نظريات وعدة مناهج كلها قابل للتطبيق وكلها يشكل فاعلية معينة في مقاربة جانب من جوانب الأدب المتعددة . ولعل الجانب الأكثر تعقيدا في البحث والممارسة والتنظير ، هو الجانب المتعلق ببحث اجتماعية الأدب أو دراسته من الوجهة الاجتماعية .
ولتحديد هذا الموضوع الكبير فقد ارتأينا التطرق إلى النظرية الاجتماعية في دراسة الأدب من وجهات أربع متكاملة ومستندة بطريقة أو بأخرى إلى فلسفة من الفلسفات الاجتماعية الحديثة وهي : – نظرية الانعكاس – نظرية الجدلية الاجتماعية أو سوسيولوجية الخطاب الأدبي – نظرية الدراسات السوسيو- نصية – وسوسيولوجية القراءة التي تنتمي إلى التقليعة المعاصرة في تقويم الأدب ومقاربته .
ويمكن القول بأن أصول النظرية الاجتماعية في فهم الأدب تعود إلى الفكر اليوناني القديم وبخاصة إلى مفهومي " المحاكاة " » Mimésis « و " مشابهة الحقيقة " » Eikos « اللذين تركهما أرسطو واللذين كان لهما تأثير – وربما لا يزال – على الطروحات التي قدمها ويقدمها الباحثون والمنظرون في نظرية الأدب والفن وفي محاولة تأسيس علم اجتماع لهما . وتجدر الإشارة في ذلك إلى محاولة المفكر الإيطالي الرائد " جان بابتيست فيكو " » Jean Baptiste Vico « ( 1668 – 1744 ) الذي تحدث عن علم يمكنه أن يدرس الطبيعة المشتركة للأمم ، وركز على دور الأدب والشعر في الحضارات مشيرا إلىأن المجتمع لايقدم أدبا فقط، لكنه ينمي أدباء يستخلصون أعمالهم ومهاراتهم الفنية منه . كما تجدر الإشارة إلى محاولة " مدام دوستايل " » Madame de Staël « ( 1766 – 1817 ) في بحث علاقة الأدب مع المؤسسات الاجتماعية مثل الدين والأخلاق والعادات والقوانين وما إلى ذلك ، وكيف يؤثر التطور الحاصل في مجال من المجالات على الفكر والأدب . وقد انتهت كل المحاولات المتعاقبة إلى التأكيد على تجذر الآداب في البيئات الاجتماعية كما تؤطرها الوضعيات الزمانية والمكانية .
1 – نظرية الانعكاس :
وقد انتهى الفكر الأدبي في علاقته مع الفلسفات السوسيو – اقتصادية إلى نظرية الانعكاس التي تفسر دينامية التاريخ بجدلية الفكر والمادة واعتبار الأول – ومنه الأدب – انعكاسا للثانية ومنها الوجود الاجتماعي ؛ الشيء الذي أدى إلى التركيز على المضمون الأيديولوجي في الأدب باعتباره مكونا من مكوناتها أو شكلا من أشكالها ، وهو ما حدا بدارس اجتماعي مثل " جورج بليخانوف " إلى أن يقول في حديثه عن " المعادل الموضوعي في الأدب " : " إن الواجب الأول للناقد يكمن في ترجمة فكرة ذلك النتاج من لغة الفن إلى لغة علم الاجتماع في تحديد ما يمكن أن نسميه بالمعادل السوسيولوجي للظاهرة الأدبية المعطاة " . وفي ذلك بالطبع تقصير في تقدير الطابع النوعي للعمل الأدبي التخييلي ، لكن ذلك لا يمنع من معارضة الأعمال الأدبية بواقعها الاجتماعي توخيا لمعرفة ما تتضمنه من حقائق تدلف بالكتابة إلى الارتباط العضوي بمعاني الصدق التاريخي ولو في شكلها الجمالي . ومعنى ذلك أن الأدب مرآة للحياة الاجتماعية وشكل من أشكال النشاط الإنساني الذي يمكن تفسيره في ضوء قوانين تطور الوجود الاجتماعي ، والذي يدور حول ثنائيات متشابكة مثل: الأدب والمجتمع ، والأدب والحياة ، والأدب والواقع ، والأدب والتاريخ ، وهو ما يؤكد أن لا قيمة للكتابة في هذه النظرية إلا من خلال القيمة المضافة داخل مجريات الحدث السوسيوتاريخي . بيد أن مفهوم الانعكاس في هذه النظرية الجدلية ليس بسيطا أو تبسيطيا كما يُظن ، وإنما هو عملية مركبة ومعقدة لأنه يعتبر الأدب شكلا من أشكال إدراك الذات لموضوع وعيها ، أي لظروف وجودها ، ومن ثم فهو ممارسة اجتماعية محددة ،كباقي الممارسات، بعدد من السلوكات ؛ بمعنى أن حقيقة الانعكاس لا تكمن في المرآوية الجامدة ، وإنما في الجدلية المتجاوزة للظواهر السطحية إلى السلبيات الاجتماعية الواعية بالمنطق الداخلي المتحكم في سيرورة الأمور ، الشيء الذي يجعل من الأدب سبيلا آخر إلى إنتاج المعرفة بالوجود وبالتاريخ ، لأنه يعرض العالم بشكل تنويري ويضيف جديدا إلى كل ما هو كائن ومعروف . وهذا التطور المتقدم لمفهوم الانعكاس هو ما فتح الباب على مصراعيه نحو نظرية الجدلية الاجتماعية في فهم الأدب وتقديره .
2 – الجدلية الاجتماعية أو سوسيولوجية الخطاب الأدبي :
اكتشف الدارسون عدم كفاية مفهوم الانعكاس الذي ينظر إلى الأدب في علاقته المباشرة مع الواقع ويعتبره نتاجا ماديا كباقي الانتاجات في المجتمع ، في حين أنه منفتح على الخيال وعلى العبقرية وعلى البنيات الذهنية التي تشكل الوعي فرديا وجماعيا ، ومن ثم فقد عملت التنظيرات اللاحقة على تجاوز البحث في المؤثرات الاجتماعية أو توصيف صورة المجتمع في العمل الأدبي إلى ما يملأ ذلك الفراغ الانعكاسي بين عالم الأدب التخييلي وعالم المجتمع الواقعي ، فاتجه التفكير إلى الوسائط » Relais « التي توصل الحقيقة الاجتماعية إلى التركيبة الأدبية ، بحيث يتم التفاعل الجدلي بين نظامين من الظواهر يتكثفان في نظام ثالث يمثل بنية جديدة تلتحم فيها القيم الجمالية بالقيم الاجتماعية . وهذا ما يؤكد خصوصية الخطاب الأدبي الذي بوسعه أن يستوعب سائر الخطابات الأخرى ويحولها إلى مواد بانية في عالمه المتكون والمتبلور ؛ ومن ذلك مثلا أنه يحتضن الأيديولوجيا فتسكن فيه وتَضْمُر، ولا يمكن اكتشافها إلاَّ عبر تمفصلاته العديدة وانكساراته المتقاطعة كما يقول " ألتوسير " .
وعليه فإن الجدلية الاجتماعية ترفض ما يسميه لوكاتش مثلا ب " الاجتماعية الواطية "» Sociologie vulgaire «أي تحليل المضمون الاجتماعي بطريقة " بليخانوف " الذي كان يقيس القيمة الثورية للعمل الأدبي بمجموع ما يحتويه من أفكار تقدمية ، وعوضا عن ذلك فهي تطرح مفاهيم جدلية مثل مفهوم البنية الدالة ومفهوم رؤية العالم ومفهوم التناظر وما إلى ذلك . وتقصد إلى اعتبار العمل الأدبي بنية دينامية مثل سائر البنى الفكرية التي يحاول الإنسان من خلالها خلق نوع من التوازن بين العقل وما يعقله، فيغدو إنتاجه بنية دالة لا يمكن فهمها إلا بتحليل العلائق المؤلفة بين عناصرها ، ومن ثم فالأدب بنية تعبيرية مستنبتة داخل الحركية السوسيو – ثقافية أو السوسيو – اقتصادية ، ولا يمكن فهمها إلا بتوصيف التصورات التي يقيمها المبدع مع عناصر الاسترفاد ومنها الوعي الجمعي أو رؤية العالم لدى مجموعة اجتماعية معينة.
إن الذات المبدعة » Sujet créateur « في نظر " كولدمان " مثلا هي ذات جماعية بالحتم ، لأن تجربة الفرد وحده أقصر من أن تبدع تلك البنيات الذهنية التي تعبر عن أنشطة عدد كبير من الأفراد يتواجدون في عالم متناسق أو في ظروف متشابهة بمعنى أن المقولات الذهنية ليست ظواهر فردية ، وإنما هي ظواهر اجتماعية موجودة سلفا ، وليس للأديب إلا فرصة اقتناصها وتجميعها وتمثُّلها وتمثيلها في بنيات تخيلية منسجمة ومماثلة لها . وهذا هو الرابط الجدلي بين البنى الذهنية في العالم التخييلي والتي لا يمكن فهمها إلا بتحليل علائقها من الداخل ، وبين البنى الذهنية في المجتمع، والتي تُمكِّن من تفسير ذلك العمل وتحديد وظيفته الاجتماعية المتمثلة في بلورة الوعي الجمعي وصياغته في شكل تعبيري جديد ، فيكون البعد الاجتماعي في الأدب متأتيا من حيث التناظر الدلالي فقط ، وليس من حيث المحتوى الذي يتمتع الأديب بحرية كافية في إبداعه واصطناعه . والعبرة في هذا التوجه الجدلي أن كل الإبداعات وكل الأفكار في العلوم الإنسانية تنبثق من داخل المجتمع ، وأن كل فعل هو رد فعل واع من أجل إصلاح وضعية معينة ، وأن الفرد المبدع لسان حال الجماعة تمده بما يقول ولا تفرض عليه كيف يقول .
وعلى ما حققته الجدلية الاجتماعية من تقدم في فهم واحترام الظاهرة الأدبية ، وفي التحايل على الربط بين الأدب والمجتمع أو بين الجمالي والاجتماعي ، فقد اتهمت بالمبالغة في " جمعنة " » La sociologisation « الخطاب الأدبي ، وبالقفز على الكثير من أدبية الأدب من أجل الوصول السريع إلى اجتماعيته . وقد ذكر " سيرج دوبروفسكي " مثلا أن هذه النظرية تركز على استخلاص البنيات الذهنية الدالة وكأن الفائدة المتوخاة من العمل الأدبي هي معرفة " الرؤية " أو الوعي الذي يبلوره فقط . والحال أن قراءة كتاب في التاريخ أو في الاقتصاد السياسي تكون أكثر غناء منه في ذلك وتجنبنا مشقة غموضه وصعوباته وإكراهاته ، كما تساءل عن إمكانية الجمع ولو من باب التناظر بين وقائع أدبية تخيلية ووقائع سياسية أو أيديولوجية وهما ينتميان إلى عالمين مختلفين كل الاختلاف . وبالجملة ورغم إلحاح الجدلية الاجتماعية على وحدة النص الأدبي فقد لوحظ تعاملها معه بما هو بنية من المدلولات وليس من الدوال اللغوية ذات الإشكالية المعقدة وهو ما ستعمل الدراسات السوسيونصية على استدراكه ومعالجته .
3 – نظرية الدراسات السوسيو – نصية :
تركز هذه النظرية على التصور الذي يرى أن الدور الذي يلعبه الأدب تجاه الواقع الاجتماعي يتحدد انطلاقا من الشكل أي من مستوى الكتابة ، وليس فقط من خلال المضامين أو من خلال الدلالات الاجتماعية التي يحملها ، ولذلك فهي تنتقد سوسيولوجيا الأدب التي تتعامل معه تعاملا تاريخيا مباشرا وكأنه وثيقة تعيينية تحيل على الأحداث الخارجية ، متجاهلة إيحاءاته التعبيرية ودلالاته المتناسلة . والسبب في ذلك أنها تتخطى مشكل اللغة بجميع تفرعاته وتعقيداته ، والحال أن اللغة بما هي ممارسة اجتماعية دائمة ، تحمل شحنات معرفية وأيديولوجية كامنة ، وتجسد مصالح اجتماعية سابقة ، ومن ثم ينبغي فهم التراكيب الجميلة في النص الأدبي من وجهتين متكاملتين : وجهة الأصل ، أي الارتباط بالاستعمال الدارج في المجتمع ، ووجهة التوظيف أي الارتباط بالاستعمال الجديد في العالم التخييلي .ذلك أن الأديب أو المبدع ينطلق من لغة موجودة ومليئة ، فيبعث منها لغة وليدة ومركبة هي لغة النص الأدبي الذي يصبح عاجّاًّ بالدلالات والمرجعيات ، وعند تحليله لابد من اعتبار الشفرتين : شفرة اللغة المنظِّمة لوقائع العالم الخارجي ، وشفرة الأدب المنظِّمة لوقائع العالم الداخلي . وباندماج هذه في تلك وتلك في هذه يتشكل خطاب جديد هو الخطاب الأدبي القائم بذاته ؛ وتكون اللغة وسيطا فاعلا بحق بين الأدب والمجتمع كما تريد الدراسات السوسيو – نصية .
إن لغة الأدب أو اللغة في الأدب تكون مشروطة بوقائع الشرائح التي تتكلمها، ولابد في فهمها من تجاوز الحدود النصية إلى السياقات التناصية ، بمعنى أن الواقع الذي حولته اللغة إلى مفهومات وتصورات قد أصبح واقعا مفهوميا ، ولم يعد واقعا عينيا ، ويمكننا عند هذا المستوى أن نعتبر الدلائل اللغوية بمثابة وقائع اجتماعية متراتبة أو متفاعلة ، بل هي أصوات متصارعة كما يقول " باختين " ، وكل تركيب لها أو منها هو فعالية حوارية مهما كانت مضمرة . والنص الأدبي قادر على أن يحفر ضمنها خطا عموديا ليقولب مدلولاتها في عملية إنتاجية خاصة به . وهذا المنظور هو ما دفع الدراسات السوسيو – نصية إلى أن تبدأ من الدليل الاجتماعي في اللغة لتنتهي إلى جوقة المدلولات المتراكبة في النص الأدبي بحسب توليفاته الجامعة.
إن الفهم الذي نقصده – يقول بيير زيما – هو فهم التركيب ( النصي ) كأفعال اجتماعية ومحاولة ربطها بالمستوى الدلالي الذي يتميز بازدواجية الاشتراك في العالم التخييلي وفي العالم الاجتماعي . ولذلك يعتبر أن الرواية مثلا مجموعة من البنيات التركيبية التي تتفاعل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية على مستوى اللغة التي هي البنية الوسيطة بين النص والمجتمع لما لها من إيحاءات سياسية أو دينية أو سلطوية . ( أمثلة : كافكا – سارتر – موزيل الذين ينتقدون الأيديولوجيا على مستوى الكتابة » البنيات السردية « » الرواية تنتقد نفسها « وليس على مستوى المضامين فقط ) ومن ثم اعتبار النص الأدبي مجموعة من اللغات الجماعية التي تظهر في أشكال مختلفة داخل البنيات الدلالية التخييلية ، ولذلك ينبغي وصله بالمرحلة التاريخية التي تتميز فيها الجماعات الاجتماعية بمعجمها وبطريقتها في الكلام أي ببلاغتها الخاصة التي تتضمن أيديولوجيتها وتعبر عن مصالحها . فيصبح النص الأدبي فضاء خطابيا » Discurcif « ذا قيمة مرجعية متشاكلة مع اللغة والواقع والأيديولوجيا ؛ ولذلك يتحدث السوسيو – نقديون ( جوليا كريستيفا مثلا ) عن النص الباطن » Génotexte « المنفتح على بنيات دلالية أخرى وعلى أنظمة متقاطعة فيه أو معه يتم استيعابها عبر تمفصلات متتالية تتجاوز به صفة الإنتاج إلى ميزة الإنتاجية .
وقصارى القول فإن الدراسات السوسيو – نصية تنتمي إلى النظرية الاجتماعية في دراسة الأدب ، فهي حريصة على النظر إليه كخطاب تعبيري تواصلي متميز بمجموعة من التقنيات المتجددة باستمرار ؛ وقد ارتأت أن المدخل اللغوي هو باب الفتح الكبير ، ولذلك استعانت بفلسفة اللغة وبالدراسات اللسانية والسوسيو – لسانية وبالتاريخ وبالأنتروبولوجيا وبعلم الدلالة أو السيميولوجيا من أجل أن تُقارب بنيته الإشكالية فتحفظ له دوره الاجتماعي دون أن تسلبه استقلاليته أو تقلل من جماليته .
4 – سوسيولوجية القراءة :
وتبقى الإشارة إلى أن تحقق النص الأدبي لا يتم بالطبع إلا بقراءته ومحاولة فهمه والاستفادة منه ، ولذلك تحسُب النظرية الاجتماعية حساب سوسيولوجية القراءة كذلك ، أي حساب سيرورة الإنتاج التي تحكم العملية من مبتداها إلى منتهاها ، أي منذ أن يستحضر الكاتب نوعية القارئ أو القراء الذين سيتوجه إليهم وبماذا سيتوجه إليهم، وكيف سيتوجه إليهم، ومرورا بما يّضمن كتابته من توجيهات استراتيجية مساعدة على تبيُن مسالكها ودروبها، ووصولا إلى القارئ الذي يحاول بدوره إنتاج نوع من الفهم وفق معطيات شخصية وثقافية ونصية ، وحسب ميكانيزمات معروفة في القراءة والتلقي ومنها الاستعداد المعرفي لاكتشاف ما يسميه " إيزر » Iser « ب " السياق السوسيو – ثقافي العام الذي ينبثق منه النص " ، والاستعداد كذلك للتعاطي مع ( مدونته ) أي مع مجموع الأشياء التي تدخل في تركيبه وخاصة وبالذات مع المعطيات الاجتماعية والتاريخية .
وإذا كان هذا التعاون الإنتاجي شرطا حتميا بين النص وقارئه على اعتبار أنهما نصان سيتقابلان ويتفاعلان تفاعلا دلاليا خلاَّقاً ؛ فإن سوسيولوجية القراءة لا تقبل كذلك أن يكون ثمة تواطؤ ساذج وفج يقتصر على ملء الفجوات بما يشبع حاجة القارئ المتسرع ويمكنه من استخلاص المضمون الاجتماعي أو الأيديولوجي الذي يتوخاه ؛ لأن اجتماعية النص الجاد لا تكمن – كما أسلفنا – فيما هو خارج عنه ، وإنما فيما ينتجه .
وإذا كانت العملية القرائية تستقر في نهاية المطاف عند نوعية القارئ وقناعته، فينبغي التحذير أو الإشارة إلى ما يراه الشكلانيون من إمكانية التوقف عند حدود العالم الداخلي الذي تنشئه المعطيات اللسانية والبنائية في النص المفرغ من المرجعيات الاجتماعية ، والحال أن هذا الإجراء فيه كبح للقراءة التي ينبغي أن يصل مداها إلى نوع من الفهم المعقول أي إلى إيجاد تأويل مقبول ومقنع للنص الذي قد لا يتحقق إلا بالجواب عن السؤال المرجعي أو الدلالة الاجتماعية للنص ، بمعنى أن النص " المقروء " » Lisible « يحقق العملية التواصلية بالإحالة إلى العالم الخارجي – كما يقول » Mario Valdes « – لأن له شيئا ما يقوله عن شيء ما لأحد ما .
ومن هنا تصر النظرية الاجتماعية في القراءة على أن يندمج القارئ في النص من أجل فهم إيجابي يحقق مقصدية النص الاجتماعية ويستفيد من مؤشراته المحكومة بظواهره الفنية كي يستشرف أبعاده المرجعية الكامنة والحقيقية ، ولا يقف عند الإجراءات التفكيكية القاصرة ، وبذلك تكون القراءة كما الكتابة نشاطا إنسانيا ولسانيا خلاقا في عملية التمثّل والتوسط والإبلاغ .
خلاصة :
وفي الخلاصة فإن النظرية الاجتماعية في الدراسات الأدبية قديمة حديثة ، ولذلك تَجمَّع لها من التراكمات المعرفية ما تنوء به الرفوف ، وهي تحتاج إلى تضافر جهود كثيرة لبحث وتعميق إشكالياتها التي تبتدئ بقضية المحاكاة الضرورية التي تجعل من الأدب مجرد تمثيل ما للواقع أو للطبيعة بما فيها الإنسان ، مرورا بالفلسفات والعقائد والأيديولوجيات والأفكار التي ترى في الأدب دائما تمثُّلاً بطريقة أو بأخرى لحقائق تاريخية أو اجتماعية أو إنسانية ، ومظهرا من مظاهر التدافع وتضارب المصالح وفق الرؤيات المتبلورة في جدلية قائمة بين واقع مرفوض ووعي مأمول . ويظل الرهان الأكبر متمثلا في تحقيق المعادلة الصعبة في الدراسات الأدبية أي في استخلاص الحقيقة الاجتماعية دون إلغاء الحقيقة الأدبية وهو ما تود الأبحاث المتأخرة إدراكه في سعيها الدؤوب .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manahijnaqdia.yoo7.com
بادوي مصطفى

بادوي مصطفى


المساهمات : 5
تاريخ التسجيل : 30/05/2008
العمر : 39

النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات   النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات Emptyالجمعة مايو 30, 2008 5:17 pm

السلام عليكم و رحمة الله

سعدت بكم كثيرا ... يا دكتور محمد خرماش ، تشرفت عاليا بكم والله ، نسيت ان ابلغكم انكم تشبهون جدي رحمه الله ، فالحمد لله الذي لاقاني بكم و وفقني لاخدمكم بكل ما بوسعي من وسائل ، بغية مرضات الله ، فهنيئا لي بالانحشار في زمرة الناقدين هنا ممثِّلا الرؤية السوسيولوجية في المشاركات التي سوف نوردها متى سنحت الفرصة بذلك .

تحيات حارة من فاس يرسلها الاستاذ فريد اليكم .

السلام عليكم و رحمة الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
النظريةالاجتماعية في دراسة الأدب:مفاهيم واجراءات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر :: مفاهيم ونظريات-
انتقل الى: