منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر

منتدى يعنى بمناهج النقد الأدبي المعاصر .
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 [size=16]د.محمد خرماش 20/9/2014 أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر mkharmach@hotmail.com: E Ma "أشعار الطاهر الهمّامي بين الواقعية والالتزام" ( تقديرا لوطنيته الراسخة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد خرماش
Admin



المساهمات : 44
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
الموقع : أستاذ باحث

[size=16]د.محمد خرماش                                                          20/9/2014 أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر  mkharmach@hotmail.com: E Ma           "أشعار الطاهر الهمّامي بين الواقعية والالتزام"                      ( تقديرا لوطنيته الراسخة Empty
مُساهمةموضوع: [size=16]د.محمد خرماش 20/9/2014 أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر mkharmach@hotmail.com: E Ma "أشعار الطاهر الهمّامي بين الواقعية والالتزام" ( تقديرا لوطنيته الراسخة   [size=16]د.محمد خرماش                                                          20/9/2014 أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر  mkharmach@hotmail.com: E Ma           "أشعار الطاهر الهمّامي بين الواقعية والالتزام"                      ( تقديرا لوطنيته الراسخة Emptyالأربعاء يناير 28, 2015 5:18 am

د.محمد خرماش                                                          20/9/2014
أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر
mkharmach@hotmail.com: E Ma

       "أشعار الطاهر الهمّامي بين الواقعية والالتزام"
                    ( تقديرا لوطنيته الراسخة ووفاء لصحبته الصادقة)
1 – على سبيل التقديم:
أ‌- الواقع و الواقعية الملتزمة:
يتحدد معنى الواقع بادراك الموجودات الخارجية التي تحيط بالإنسان وتُكيِّف ظروف عيشه واستمراريته في الحياة، فهو إذن المعطى الراهن الذي يحدد العلاقة مع الوقائع والأحداث ومجريات الأمور وكيفية تمثلها واستيعابها والتفاعل معها، ولذلك فالإنسان في معيشه وفي تفكيره وفي مواقفه وتصرفاته يتأثر دائما بواقعه أي بالمعطيات والملابسات التي تحيط به وبمدى قبولها واستساغتها والرضوخ لها أو برفضها وإنكارها ومحاولة تعديلها أو تغييرها ، وهو ما يحركها وينشطها  فتتم بذلك قولبة الواقع وصناعة الوقائع؛ ويمكن القول بأن الواقع هو التاريخ في تجلياته الناتجة عن متواليات الأحداث التي تحكمها العقائد والعوائد والفلسفات والاجتهادات والتي لايمكن أن يكون الجميع على خط واحد في فهمها وقبولها واستساغتها، وما ديناميكية الواقع وحركيته الدائبة إلا من اختلاف النزعات والنزوعات وتبدل الرؤى والآراء شخصية أو جماعية أو مذهبية أو غيرها؛ وتجدر الإشارة إلى أن حقيقة الواقع تمثل إشكالية معقدة على مستوى الفهم والإدراك والضبط والتقدير أو على مستوى الطرح والتحليل والمناقشة، إذ قد يختلف مفهوم الواقع أو إدراكه أو الإحساس به أو معرفته من شخص لشخص أو من فئة  لفئة  أو جماعة لجماعة أو من مذهب لمذهب بحسب  القدرات والاستعدادات والمعطيات الثقافية أو الإيديولوجية  المتحكمة في تكوين الرؤى والقناعات. فحينما يُتحدث عن الواقع فالمقصود عادة هو الأشياء الموجودة وجودا عينيا مستقلا عن الإدراك مثل وجود الطبيعة ووجود الأشخاص أو وجود الحالات والوضعيات، لكن هذا الوجود لا يمكنه إلا أن يكون مرتبطا بعناصر أخرى مثل عنصري الزمان والمكان وهو ما يجعل مفهوم الواقع ملتبسا إلى حد ما، لأن الذي يحدد الإطار الزمكاني للوجود هو الإدراك، ومن ثم قد يُعتبر الواقع لاغيا مثلا بالنسبة لإنسان لا يستطيع تصور ذلك الإطار الذي هو لصيق بالواقع أو هو الذي هو هو، كما أن الإنسان لا يدرك الواقع إلا ملفوظا، أي في صيغ لغوية، وهو قادر بملكته الكلامية على استحداث تشكيلات لغوية لامتناهية، يمكنه بواسطتها أن يبدع عوالم أو وقائع جديدة يحذو فيها حذو الواقع المدرك عنده، وبتلك السيرورة يمكن أن ينتقل الواقع الواقعي إلى واقع إدراكي ومنه إلى واقع تخيلي أو واقع إبداعي مثل الواقع في الأدب. ويبقى السؤال فقط فيما إذا كان ذلك الواقع الإبداعي واقعا جديدا كل الجدة أي واقعا من نوع آخر، أم هو مرتبط بالواقع الواقعي أو الواقع الأصل بشيء من الحدود أو الخصائص أو المواصفات.
إن ما يقنعنا بحقيقة الواقع هو خبرة الحواس التي هي القنوات الضرورية والأساسية في عملية المعرفة والإدراك مضافا إليها خبرة اللغة وتراكماتها الدلالية التي تؤسس ملكة الإنسان وتقوي قدراته الذهنية؛ وفي الأدب يستطيع المبدع وبواسطة "اللغة الخبيرة" أن يصطنع للحواس وقائع بنفس مواصفات الواقع التي تشترطها للاعتراف بواقعيته، وبذلك ينتهي الأمر إلى نفس الإدراك وبنفس القناعة، وما دام الرضى الإدراكي قد تحقق فسيكون واقع الرواية مثلا عندنا في مثل درجة واقع التاريخ من حيث الوثوق به والاطمئنان إليه ، وهكذا يمكن القول : إن بوسع الأديب أن يصطنع بلغته العارفة واقعا يراه هو ويجتهد في مخادعة معرفتنا وقناعاتنا كي تعترف له ومعه بذلك الواقع المنشود الذي قد يصبح الواقع الأصل أو الواقع المقيس عليه؛ فالأدب لا يعيد تشكيل الحياة فقط وإنما يعمل على صنعها أيضا، ومن ثم فهو بحث مستمر عن واقع مجهول أو واقع مفقود يتعطش إليه القراء على الدوام.
وبهذا يمكن القول بأن اللغة تعيد إنتاج الواقع عبر الكلمات والعبارات التي تقرب حقيقته للذهن، فتربط بذلك بين الإنسان وعالمه وبين الفكر وموضوعه مختزلة كل المعارف والخبرات ومساعدة على نقل العلم بالأشياء، وتجارب التعامل مع الواقع وكشف أسراره. فهي موئل الإنسان في قدرة التمييز ومعوله في الرقي بعقله وعلمه وفهمه، وهو صانعها وهي صانعة وصنيعة عبقريته وإبداعاته.
وهكذا يتضح أن الواقع أصلا وتمثيلا داخل كعنصر محوري في بنية الخطاب الأدبي، لكنه لا يتأتى إلا في جدلية اللغة التي هي الواصل الضروري بين المبدع والمتلقي والتي تنشئ حقولا للتواصل والمشاركة واللقاء باستحداث ما يمكن أن نسميه بالخطاب النفسي الذي قد ينطلق من اللغة أو بسببها وربما بتجاوزها إلى ما قد لا تستطيعه أو لا تسعه. على أن اللغة ليست على درجة واحدة من حيث المستوى والوظيفة ولا من حيث الأصل والمنبع والقوة، ومن السذاجة القول بأن استعمال اللغة شيء طبيعي ومنتظم كالمشي أو التنفس، وإنما هي على درجة كبيرة من الاختلاف والتعقيد، فلكل مجال لغته ولكل قوم لغتهم ولكل مقام مقال كما يقال؛ بيد أن من طرائف مفارقات الأدب هو قدرته الخاصة والضرورية على امتصاص كل اللغات أو المستويات المتعددة واستعمالها كمواد بانية لعالمه الذي يريده مثل الواقع الحي عاجَّاً بتلك الأصوات والخطابات. ومن ثم فلغته أو اللغة فيه ليست بنية تركيبية فقط، وإنما هي بنية وظيفية ومنفتحة على مرجعيات خارج نصية أو قبل نصية كثيرة ومتعددة.
على أن إشكالية اللغة في الأدب مرتبطة أيضا بإشكالية المناهج والمفاهيم، فالنظرية القائلة مثلا باستقلالية النص الأدبي وإمكانية اكتفائه بذاته قد تجعل للغة فيه دورا تشكيليا وجماليا بالأساس ولا تكاد تعير اهتماما لحقيقتها المرجعية التي قد تعتبرها من قبل الوهم الذي يتوهمه الإنسان تحت ضغط الأعراف اللغوية فقط. أما النظرية القائلة بضرورة اعتبار الجانب التواصلي في الخطاب الأدبي فهي تقدر الشحنة الدلالية للغة قبل وأثناء وبعد استعمالها في هذا المنتج الكلامي، وكما تتساءل عن كيفية القول وتقنيات التعبير فهي تتساءل عن مقول القول وتنبش في مجرياته وفي أصول تكونه وتمثلاته، وهذا ما يستوجب استحضار مقدرات اللغة وقدراتها في نقل المعرفة وتمثيل الواقع وبلورة التفكير. وبقوة الأشياء والأفكار فإن الحديث عن الواقع يستتبع الحديث عن الواقعية بمعنى الالتفات إلى ما هو واقعي وتحديده وفهمه وتفسيره والتعامل معه.
وتعرف الواقعية إجمالا بأنها الارتباط الحرفي بالأشياء والوقائع كما هي في تجسيدها المحسوس  أو المعقول والاعتراف بقيمها الإبرائية وتأثيرها في الوجود والحياة. وتعني في الإنتاج الأدبي محاولة نقل الواقع أو تصويره بدقة وأمانة حتى لكأنه الواقع المعيش كله أو بعضه،
وهو ما يعرف بمشاكلة الفن للحياة الذي يجعل الكاتب أو الفنان ينجح في إيهامنا بأن ما يقدمه لنا هو الحياة ذاتها بعيدا عن التهويمات والخيال المتطرف،وعن النوازع الشخصية و التوجهات الذاتية؛ والتزاما بصدق الواقع وحقيقته، ومن ثم يشكل الواقع المادة الأصل ويشكل الفهم والاستيعاب مادة التصور والإدراك، ولذلك ارتبطت الواقعية حتما بالقدرات الذهنية وبالرؤى الفكرية فتعددت أوصافها وتخصيصاتها من تسجيلية ونقدية وطبيعية وجدلية وجمالية وسحرية وغيرها وكلها تسترفد من القناعات والتوجهات التي يتبناها الكاتب أو المبدع والتي تحكم في الغالب نظرته ومنظوره لسيرورة الواقع وديناميكية المجتمع وحركية التاريخ، وهو ما يعني اتخاذ موقع معين والتزام موقف محدد من الوقائع والأحداث الجارية  ومحاولة التأثير فيها أو تغييرها عن طريق التلميح أو التصريح بحسب توظيف الخطاب واختيار بنياته وتكويناته...
ويمكن القول سبقا بأن العين الثاقبة لا تخطئ  مثل تلك الأبعاد في أشعار الطاهر الهمامي التي تمتح من رؤى جادة في قوالب ساخرة ومن مواقف ملتزمة في تعابير مكثفة ، ويمكن التقاط تلميحاته الدالة في الصيغ المقصودة لعناوين قصائده المبيتة كما في شحناتها الفكرية والفنية الضامة.
2- قراءة في العناوين :
    منذ القصائد الأولى للطاهر الهمّامي في الستينيات وعناوينها تترى بنفس الحمولات ونفس الخلفيات والتلميحات الواقعية الساخرة، وما يصدق على بنياتها يصدق على بنيات الكثير من أبياته وأشعاره، إذ هناك تصادٍ واضحٌ ودالٌّ بين تركيبات العناوين ومضامينها وخلفياتها الدلالية ، وبين معاني القصائد ومرجعياتها الواقعية والاجتماعية، ولذلك لا يليق أو لا يكفي أن تقرأ عناوين الهمّامي قراءة ظاهرية فقط وإنما ينبغي فهمها في إطار سياقاتها اللغوية والفكرية وفي نطاق رؤية العالم التي كان يصدر عنها ، وهي المتعلقة باستشراف الواقع السائد المنحط محليا وقوميا وعالميا، وبالعمل على إصلاحه وتغييره ضمن مساعٍ نضالية وتوعوية وتحريضية ، ومن ثمَّ القراءة الاستكشافية لحقائقها المرجعية المحفزة الأساسية ، وقراءة الإشارات التناصية المكونة لبنياتها ولدلالاتها الجديدة البعيدة. ويمكن التمثيل لكل ذلك بعناوين بعض الدواوين التي هي غالبا عناوين بعض قصائدها لقراءتها قراءة ماكرة مثلما هي أشد مكرا مثل : "الشمس طلعت كالخبزة" و"صائفة الجمر" و "أرى النخل يمشي" و"تأبط ناراً" و "اسكني يا جراح" و"مرثية البقر الضحوك" وهلم تناصية وتهجينا...
فالشمس مقترنة بالنور وبالدفئ وبالعطاء وبالضياء ، ولكنها عندما تطلع مثل الخبزة كما تقول العامة فهي إذن قريبة كبيرة حارة حارقة ولا مجال لإنكارها أو تغطيتها لا بغربال ولا بغير غربال ، فهي شمس الحقيقة الساطعة التي تفرض نفسها على كل ذي بصر وبصيرة ، حقيقة الأرض الفائرة والغضب المكتوم والجروح الغائرة.ا و"صائفة الجمر" هي صائفة أكثر سخونة وحرارة في هذا الحقل الدلالي الذي تمور فيه عناوين الهمّامي : حقل الحرق والاحتراق ، ومن طبيعة الصيف الصائفة أن تكون حارة لكن حرارتها في الواقع الذي يراه الهمامي حرارة جمر يشوي الوجوه والأقدام والأبدان ولا يحسه الا الذي يكتوي به. وفي عنوان ديوانه " أرى النخل يمشي" إحالة واضحة إلى قصة زرقاء اليمامة التي حذرت قومها من الأعداء القادمين مستخفين وراء أغصان النخيل ، وقد رأتهم يتحركون من بعيد لحدة بصرها الذي يضرب به المثل، والطاهر الهمامي قد رأى النخل الذي هو رمز البلاد والعباد والواقع القائم يمشي متحركا في دينامية دائبة كما في مفهوم الواقعية الجدلية المعادية للجمود والاستكانة والركود والخنوع والاستسلام والتسليم.ا أما "تأبط ناراً" فيتناص مع قول البنت التي سئلت عن أبيها فقالت :"تأبط شرا وخرج" أي حمل سلاحه وخرج للقتال ، والذي يتأبط النار عند الهمّامي الصادر عن واقع اجتماعي مزر ، لا يمكن إلا أن يكون من الطبقة الكادحة من أجل موقعها تحت الشمس ، وقد صدقت رؤيته ورؤاه على الكثيرين ممن تأبطوا ويتأبطون النيران ويقتحمون الموت الزؤام. وفي عنوان ديوانه "مرثية البقر الضحوك" إشارة ساخرة إلى بقرة الجبن الضاحكة موظفة في نقيض قصد أصحابها الذين يريدون التعبير بها عن الفرح بالعطاء والاستمتاع باللذة والشبع، في حين يعتبرها الهمامي عنوان البلادة ودليل الغباء وموت الإحساس بحرقة الواقع المميت، وبدل البقرة فهي عنده بقر سائم سائب ضحوك بصيغة المبالغة من شدة جهله وتخلفه، ولذلك فهو يستحق الرثاء لأنه ميت حي أو حي ميت، ولعل تلك اللذعات تثير همته أو تحرك يقظته.ا وهكذا تسترفد عناوين الهمّامي من رؤيته العميقة للواقع الخلفي وتكتنز سمات تحريضية مستبشرة أو انتقادات ساخرة هادفة مثلما تفيض به أشعاره برمتها....
 وبما أن العنوان عتبة دالة تقود الى النص وتشي به ، فعناوين الهمامي مداخل رامزة وقوية تتصادى فيما بينها لأنها محكومة بنفس المنظور الفكري والفني ، وتغري بخط النصوص التي تشع بإشعاعها ، وتمتح من سمائها ومائها . ولأن قراءة أشعار الطاهر الهمّامي أو تحليلها ومقاربتها تمثل مشروعا قائما ومستمرا ربما تتاح فرص لاحقة لاستكماله ، فسيقتصر البحث على استقراء بعض المقاطع النموذجية من أجل استشراف مدى التزامه الفني و معنى ارتباطه الفكري بالواقع والواقعية.
 وتجدر الإشارة بدءاً إلى أن الهمامي رحمه الله قد خاض فيما سماه القصيدة التجريبية وهي متوفرة على إيقاعات معينة وجميلة لكنها مخالفة في أكثرها للعمودي والحر ولو أنه كتب في كل الأشكال اقتناعا منه بأن" لغة الشعر ليست ألعوبة شكلية مجانية، وفصماً لعرى التناص الخصب،  وتفقيراً لأزمنة النص" كما يقول في مقدمة ديوانه " مرثية البقر الضحوك" الذي وظف فيه مجموعة من القصائد التراثية في عملية تناص مركب تركيباً مزجياً عجيباً، كما اعتمد عموما لغة التبسيط والوضوح وعنصر الحكي على طريقة الحدوثة الشعبية، وجانَب الغريبَ والإغرابَ ، وهي سياسة إبداعية تواصلية تستهدف مخاطبة القلب وتحريك الوجدان وإثارة الانفعال ، ومع ذلك أو ربما لذلك لا تخلو أشعار الهمّامي من مسحة أو مسحات رومانسية خاصة مفعمة بالعاطفة الجياشة وبالتغني بالطبيعة وسحرها وبالإنسان وهموم الإنسانية، لكنها غير مضببة ولا استيهامية ولا هاربة وقد يجوز نعتها بأنها رومانسية واقعية لأنها تمتح من القساوة ومن الصعوبة ومن الضنى والضنك، ولذلك فهي تشع بالأسى والحزن والألم والقلق والغضب لكنها لا تخلو من أمل وتحريض ونقد وترقب ؛ وإلى ذلك كله فأشعار الهمامي لا تخلو من سخرية انتقادية بليغة وبأساليب تهجينية مؤثرة، أي بتنضيد لغة هازلة على لغة جادة قصد بناء نص تراكبي ذي معانٍ ظاهرة تستبطن معانٍ غائرة ، ومنها جمالية أشعاره وفنية إبداعاته...وبهذه الخصائص والظواهر استطاع الهمامي أن يحقق التزامه الفني ويضمن لخطابه الشعري استقلاليته وتميزه دون أن يتخلى عن رسالته ومرجعياته. وهكذا فهو يفي بالتزامه الفكري كما وفَّى بالتزامه الفني ، والمتابع لأشعاره يجدها لغة وصورا وتعابير وقضايا تسترفد من الواقع الأدنى الواقع اليومي للشعب البسيط وللطبقات الكادحة،فقد كتب عن العمال والفلاحين والرعاة ، وأنشد للنساء والأطفال والشيوخ والمرضى والجياع والمحرومين، وصور العادات والتقاليد، ورثى الموتى والمغصوبين وتألم مع المتابعين والمسجونين والمضطهدين والمطاردين واستنفر المتقاعسين وحرض المستسلمين وفضح الوصوليين والانتهازيين والغاصبين، وحرك الهمم من أجل الانتفاضة والتغيير وتحقيق الغد الأفضل للجميع. وبما أن حياة الأديب وحدها أو منعزلة لا تكفي لتكوين رؤية للعالم كما يقول "ل كولدمان" فإن الجدلية الاجتماعية ترى أن الفاعل الحقيقي في الفكر والإبداع هو المجتمع أو هو مجموعة اجتماعية على الأقل بمعنى أن الوعي الكائن والممكن يتكونان لدى الأفراد في الوضعيات المتشابهة فيلتقطهما الأديب أو المفكر ليصوغهما في أعلى درجة من الوضوح والانسجام والجمالية، وبذلك يكون واقعياً جدلياً يضبط الواقع الديناميكي ويرى برؤية المجموعة كيف يمكن أن يتحرك للتخلص من السلبيات وتحقيق الإيجابيات، وهو ما ينطبق على أشعار الهمّامي المشبعة برؤية الواقع الاجتماعي المضطرب القاسي، والحاملة لتطلعات الأفراد والمجموعات إلى التغيير الحتمي ، فهي إذن واقعية حتى النخاع وواقعية جدلية بامتياز، لكن خطابها ليس خطاباً سياسياً أو إيديولوجياً فجاً، وإنما هو خطاب شعري باستقلالية فنية ومرجعية أو مرجعيات اجتماعية معينة، ولا بد في قراءتها من التمييز ـــ كما هو معروف في تحليل الخطاب الأدبي السامي ـــ بين المعنى والمرجع أي بين الدلالات القريبة الناتجة عن عمليات التنصيص والأسلبة والمكونات اللغوية وغيرها، وبين المحفزات المرجعية والحقائق الاجتماعية الثاوية والتي تقوم في الذهن عند نهاية التحليل واستنفاد المقاربة الجيدة كتصور إدراكي للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية التي تمتصها لتُكوِّن رحيق نسغها الفني والفكري، وتُنجز معادلة التفاعل الصعبة والمعقدة بين نظام الأدب والشعر بجميع معطياته وبين سائر الأنظمة التي يتقاطع معها ويسترفد منها.              
 ولقد طوفت في أشعار الهمامي فوجدتُ أنها كلها تمثل أمثلة مناسبة لإثبات ما قدمته من ملامحها الفنية والواقعية شريطة أن تُقرأ القراءة المناسبة وبالمنهج المناسب، ولذلك آثرت كنموذج دال فقط أن أقرأ في عجالة قصيدة واحدة مهما كان الاختيار بين قصائده صعبا ومحيرا، لكني جازفت بالوقوع على قصيدة "في لون الماء" وهي آخر قصيدة في ديوان " الحصار" الذي طبع سنة 1972م في مطبعة الشركة التونسية لفنون الرسم ؛ وتبدأ إشكالية القصيدة منذ العنوان لأن الماء لا لون له إذا كان صافيا وغير ممتزج بشيء يغيره أو يعكره، والشاعر يجعل له لوناً وسيقول فيه كلاماً بمعنى أنه سيلونه بلون رؤيته أو مقولاته أو دفقاته الشعرية المعبرة، وهو على كل حال "الماء" نسغ الحياة ومصدر الأمل والانتعاش. وقد ابتدأ الشاعر بعملية الغطس والغوص فيه مكابدا مصارعا ليتسع حجم الماء فيصبح شيئاً كبيراً كالأرض شيئاً مهمّاً كالثورة كالمجتمع كالوطن.ا شيء " جاء يبشر بالحضارة الجديدة" لابس أزرقي ـ حامل فأسي ـ هابط مع الناس ـ خابط في نفق ـ ومرابط على حدود القلق.(انظر القصيدة). إنها الحركة المباركة حركة العمال الزرق والفلاحين السمر وجميع الناس المسكونين بهاجس القلق وإعصار الغضب:
    غاطس فيك حتى مذاق الدم ، وحتى روائح قزادير الألم
    يا أزاهير الدفلى تفتحتِ على هذا الفمْ
   فارسٌ يسوقه الغضب ... قارصٌ كلِمي وخدّاش كلمي ونباش
                       وهو غير مزروع في أمهات الكتب  ....
   فارس يسقطه أخضر عينيك   ويحمله إليك ......
فالحديث عن الفارس وعن الغاطس وعن الشاعر وهمْ واحد عاشق ثائر مستنكر مستبشر متذمر مما هو كائن ومتطلع إلى ما ينبغي أن يكون.ا ولغة القصيدة على قربها وبساطتها وربما إسفافها ظاهريا مستغرقة في الاستعارات والمناورات اللغوية تنزاح أحيانا حتى الغموض وتنداح طوراً لتأخذ بيد القارئ إلى مسارها المنشود. وبما أن النص الأدبي يرسم دائما استراتيجية القراءة ويتضمن إشارات للقارئ، فعبارات مثل: لاعق دمي، ودائس كواميس الورق ومرابط على حدود القلق وفارس يسوقه الغضب وأمثالها تشير إلى واقع اجتماعي مزر لا تمكن مصالحته ولا يمكن التعامل معه إلا بالعمل على تغييره وتبديله فتزول السلبيات وتحل الإيجابيات أو تتحقق الضروريات على الأقل، ومما ينم عن الارتباط الوجداني بالأرض وبأهلها وبقضاياهم، عبارات الحب والتعلق والاستعداد لتحمل التضحيات الجسام من أجل ذلك ، يقول الهمامي :
         " أحببتك يا أخضر عينيها ويا حرير صوتها...
           يحملني إليها ، ويغرقني ساعات في صمتها
           أعيش في هذا العصر .. أحمل غباره
           تسّاقط عليَّ صُفر أشجاره وأشعاره
           وأسقط من أعلى الجسر.....        (القصيدة)
إن القصيدة وكسائر أشعار الهمامي مبنية بحذق كبير يوظف لغة السهل الممتنع و يقيم التصوير البديع ، ويستغل أبعاد التناص القريب والبعيد لتكوين تشكيلات مستفزة بتوليفاتها المرصفة، وممتعة بانزياحاتها المنضدة ، معانيها طافحة شعرية وشاعرية ومغازيها غائرة نبيلة واقعية واجتماعية...
    وبالجملة فأشعار الهمّامي من فئة أشعار الكبار الذين حملوا همَّ الكلمة وهمَّ الشعر وهمَّ المجتمع وهمَّ الوطن الصغير والكبير . وإذا كان الموت لم يمهل شاعر الوطن ووطني الشعر لاستكمال رسالته والتملي بقطف ثمارها، فمن حقه أن ينام قرير العين فقد سارت بأشعاره الركبان وتحققت رؤاه في أكثر من مكان....  
                                                   د.محمد خرماش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manahijnaqdia.yoo7.com
 
[size=16]د.محمد خرماش 20/9/2014 أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر mkharmach@hotmail.com: E Ma "أشعار الطاهر الهمّامي بين الواقعية والالتزام" ( تقديرا لوطنيته الراسخة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر :: أبحاث و دراسات-
انتقل الى: