منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر

منتدى يعنى بمناهج النقد الأدبي المعاصر .
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد خرماش
Admin



المساهمات : 44
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
الموقع : أستاذ باحث

سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر   سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر Emptyالأحد يونيو 22, 2008 11:57 am

الدكتور محمد خرماش
أستاذ النقد الأدبي والمناهج المعاصرةجامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
فاس - المغرب
"سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر"
تقـديــم :
عرف العالم العربي في القرن العشرين تراكمات ثقافية ونقدية ومنهجية متعددة؛ وقد كان لمسألة استيعاب وتوظيف مناهج النقد الحديث أثر كبير في مجال قراءة النصوص الأدبية العربية وفهمها، وفي مجال تأسيس الرؤى الجديدة والمتجددة في دنيا الإبداع ونقده. ومن الصعوبة بمكان أن يحيط بحث واحد بكل أبعاد تلك التراكمات، ولذلك اختار هذا العرض أن يثير فقط إشكالية السلطة المرجعية في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر، ومدى تأثيرها في تكوين المفاهيم الجديدة وفي تطوير الفكر النقدي، علما بأن هذا الموضوع ذو شجون كثيرة أيضا، وقد لا تفي به الصفحات العديدة. ومن ثم فالقصد منصرف بالأساس إلى التنبيه والإشارة وليس إلى الاستقصاء والإحاطة، كما أن النماذج المذكورة لا تتميز بذاتها، وإنما تمثل فحسب للقضايا المطروحة وتؤشر على الأفكار المرصودة.
ومن الجائز القول في البداية بأن حركية المثاقفة النقدية في العالم العربي الناتجة عن حركية تاريخه الحديث والمعاصر، وعن التقلبات السياسية والاجتماعية والثقافية التي عرفها أثناء فترة التدافع الاستعماري، أو حتى بعد استعادة الاستقلال الوطني، هي التي أحدثت تغيرا جذريا في مناهج التفكير النقدي وفي طرائق التعامل مع الانتاج الأدبي؛ كما أدت إلى إعادة طرح المشروع الثقافي برمته وإعادة النظر فيه. وقد كان طبيعيا في مثل تلك الحركية أن تحتل جدلية الأدبي والاجتماعي موقعا متقدما في إشكالية المناهج المستقطبة، كما كان من الصعب فصل حركية التثاقف المنهجي عن حركية التركيبة الثقافية المتبلورة وعن البنيات الاجتماعية والتيارات الوطنية والقومية والعالمية؛ الأمر الذي يساعد على تحديد التصنيفات الممكنة في مضمارها. ولقد ورثت البلدان العربية وضعيات سياسية واقتصادية وثقافية مضطربة، كما وجدت نفسها بعد الاستقلال أمام إشكاليات صعبة في مجال التعليم والاقتصاد والإدارة والسياسة وغيرها، ومن ثم وجد التفكير النقدي - وهو يمثل واجهة مهمة في الفكر العام- نفسه منغمسا في تلك الإشكاليات، كما استشعر ضرورة الانضباط الأكاديمي وتعميق الاستيعاب المعرفي. فطرحت إشكالية المثاقفة النقدية بحدة كبيرة نظرا لتخوف البعض من عواقب الارتماء في أحضان الثقافة الأجنبية، ومطالبة البعض بالتمسك بالأصالة العربية ونشر المفاهيم التقليدية؛ ومع ذلك تم السعي لإيجاد صيغ نظرية ومنهجية تواكب المتغيرات الحديثة والمعاصرة؛ وأتيح للذين أطلعوا على الأدب الفرنسي أو الإسباني أو الإنجليزي أن "ينتجوا أدبا تعتز به الحركة الأدبية " كما يقول مثلا أحد رؤساء اتحاد كتاب المغرب السابقين. وقد عرف الباحث الاجتماعي الفرنسي "ميشيل دوكوستر" عملية المثاقفة بأنها مجموع "التفاعلات التي تحدث نتيجة شكل من أشكال الاتصال بين الثقافات المختلفة كالتأثير والتأثر والاستيراد والحوار والرفض والتمثل وغير ذلك مما يؤدي إلى ظهور عناصر جديدة في طريقة التفكير وأسلوب معالجة القضايا وتحليل الاشكاليات؛ مما يعني أن التركيبة الثقافية والمفهومية لا يمكن أن تبقى أو تعود بحال من الأحوال إلى ما كانت عليه قبل هذه العملية . ولا شك أنه قد كان للمثاقفة النقدية دور هام في تأسيس معرفة نقدية ومنهجية لا رجعة فيها، وبذلك فقد أصبح للمرجعيات الحديثة حضور مؤكد في سيرورة النقد العربي كما أصبحت لها سلطة قائمة على التفكير المنهجي وعلى تمثلاته المختلفة..
ففيما يتعلق بالمنهج التاريخي الذي قد يعتبر من أقدم ما لاحت معالمه في مجال المثاقفة الحديثة، يمكن القول بأنه قد طبق على الأغلب في صورته "اللانسونية" التي تربط العمل الأدبي بسيرة صاحبه كما تربطه بالتحقيبات السياسية وبالظرفية التاريخية والاجتماعية التي صاحبته، وتعتمد التحقيق والتقديم، فكانت له فائدة كبيرة في التعريف بالأدب العربي قديمه وحديثه، وفي تتبع مراحل تطوره وتحديد ظواهره واتجاهاته، واستخلاص مميزاته وقيمه الفكرية والفنية. كما ساعد على تبين معنى موضوعية العمل النقدي، والاستفادة من فعالية المبادئ المنهجية في النظر إلى المادة الأدبية وفي معرفة طبيعتها وسيرورتها .
وتتمثل منجزات هذا المنهج في أعمال الشيوخ الأكادميين أمثال قسطلكي الحمصي وحفني ناصف وجرجي زيدان وأحمد حسن الزيات وطه حسين ومن تبعهم في الاقتناع بمبادئ هذا المنهج ذي النزعة الوضعية وتجريبه في فهم تطور الأدب العربي من خلال ربطه بالوضعيات والعلل الكامنة خلفه. وقد أقر قسطاكي الحمصي مثلا بهذا التوجه في محاولة بناء منهج لعلم النقد له قواعد محددة وثابتة كقواعد سائر العلوم . كما ركز طه حسين على الصلة الحتمية بين الأدب وبيئته التي تتشكل بتأثير عدد من الأسباب الفاعلة في الفرد وفي المجتمع لكنه أصر على أن يكون النقد شيئا وسطا بين العلم والفن… .وما زالت الدراسات التي تنهج هذا النهج تتري في الوطن العربي إلى يومنا هذا، مستفيدة من حصيلته المعرفية في مقاربة عملية التطور وتحديد المراحل والتوجهات، بما يثري الذاكرة الثقافية ويكشف عن الدوافع الكامنة وراء سعي الأديب العربي من أجل إرفاد وسائله التعبيرية والفنية، ويكفي لتسجيل مقدار سلطة هذا المنهج وتسلطه أن ننظر مثلا إلى برامج المستويات المختلفة في التعليم، وإلى أسئلة الاختبارات والامتحانات وعناوين الأبحاث والأطروحات والمؤلفات وما إلى ذلك. بيد أن تلك الأعمال - وعلى أهميتها وكثرتها - تبدو معتمدة على التعليلات الخارجية كما تقضي الرؤية المتأصلة لمنهجها، ولا تهتم كثيرا بمقاربة النصوص الإبداعية في طبيعتها الخاصة وفي سائر أبعادها؛ كما لم تساعد على فهم إيواليات العلاقة الجدلية بين الظاهرة الأدبية وباقي الظواهر الفكرية والثقافية في المجتمع. ومن ثم فقد اشرأبت الأعناق في الوطن العربي، وخاصة فيما بعد الاستقلال ونتيجة للمتغيرات التاريخية والاجتماعية والثقافية الحاصلة فيه إلى مفاهيم ومبادئ أخرى؛ فكان التشوف مثلا إلى الثقافة الاشتراكية وإلى كتابات الواقعيين والواقعيين الجدليين؛ وعرفت الدراسات الأدبية ميلا قويا إلى المنهج الاجتماعي الذي ينظر إلى الأدب باعتباره عطاء فكريا مسؤولا لا يتحرك أو لا ينبغي أن يتحرك إلا في إطار الجدلية الواقعية الاجتماعية التي تفرزه، كي يكون حاملا بحق لعناصر ذلك الواقع الذي ينبثق من خلاله والذي يعمل على إعادة تركيبه وإنتاجه. وقد حققت تلكم القناعات المنهجية المتبلورة في الثقافة النقدية المعاصرة، نقلة جديدة في التفكير النقدي بإشاعة مفاهيم متناسبة مثل الموضوعية والالتزام والانعكاس والطبقية والثورية وغيرها، ومثل البحث عن دينامية الواقع المتغير في بنية الأدب المتكون، وعن الأبعاد الايديولوجية والاجتماعية فيه، وعن مدى تحز به أو صدقه في تصوير حقيقة الصراع الدائر، لأن الواقع بحسبه يؤثر حتما على الفكر وعلى الأدب ولا يتملص من تأثيره إلا مراوغ أو مكابر. وهكذا يمكن القول بأن ثقافة "النقد اليساري" أو "اليسار النقدي" قد جعلت الناقد العربي يحتمي بمفاهيم الواقعية "العلمية" لتقوية آلياته الجدالية والإقناعية بالأساس، لكنه انتهى مع ذلك إلى فرض قدر من احترام الموضوعية في التحليل وتحكيم العقل في النظر، واستحضار الوعي في التمثيل والتمثل، واستبعاد الجنوح والخيال في محاولة استيعاب الحقيقة وفهم معطيات الواقع وشروطه؛ وبذلك فقد تعامل مع الأدب باعتباره تصويرا معينا لواقع محدد، أو باعتباره تعاملا خاصا مع تجارب حياتية في ظرفية مشروطة، وهدفه بآلياته تلك أن يكشف عن زيفه ورجعيته ومغالطاته، او عن صدقه وتقدميته ونضاله… .
وعلى هذا الأساس عمد الواقعيون الاشتراكيون في الدراسات التي قاموا بها إلى التمييز بين ما أسموه بالأدب الطليعي والأدب البرجوازي معتبرين أن موضوعية الدارس المشروطة تلزمه بأن يكون واقعيا في تحليله وفي رؤيته، لأن مهمته الحقيقية تكمن في اختراق الأساليب الفنية والتمظهرات الأدبية من أجل الوصول إلى حقيقة البعد الإيديولوجي الذي يتضمنه النص الأدبي، الذي هو في نظرهم نتاج واقع محكوم بالعلاقة الاجتماعية القائمة وبمواقف القوى المتصارعة المشكلة للوعي والوعي الآخر، وتلك عندهم هي وظيفة الأدب الاجتماعية وأهم مهماته الإنسانية التي على الدارس الواقعي أن يجليها بوسائله ومفهوماته؛ الخاضعة لنفس مقولات التفكير الاشتراكي والنقد الماركسي. ويمكن القول بأن استلهام هذا التوجه في الدراسات الأدبية العربية قد ساعد على الترويج لبعض الطروحات الجديدة مثل مفهوم الانعكاس ومفهوم الأداة ومفهوم المضمون الاجتماعي لكنه لم يستطع في الغالب أن يتعامل مع الواقعية بما هي منهج في التفكير يلزم صاحبه تأمل معطيات الواقع وتتبع سيرورته وضبط ميكانيزماته، مع احترام قوة الاستبصار وطاقة الإبداع، وإنما اتخذ تلك المفاهيم بمثابة إطار جاهز من التفكير النقدي يسلك فيه جميع النصوص من أجل مناقشتها الحساب. وقد نجد له بعض العذر في ذلك لأنه منبثق في الحقيقة وسط ظرفية سوسيو-ثقافية معينة؛ وربما وجد في الاحتماء بتلك المعطيات المنهجية غناء وتقوية، ولو أنه اختزلها أحيانا إلى مسألة التصنيف السياسي فقط، أو إلى مسألة الوعي النقدي ومسألة الاعتراف بسلطة الواقع والواقعية؛ الشيء الذي حجم الدراسة الأدبية، ولم يسمح لها ببلوغ مداها المطلوب في استكشاف القيم الفنية المتضمنة والقدرات الابداعية الثاوية ؛ وهو ما سيحفز على البحث عن مرجعيات منهجية أخرى، إن لم يكن يقصد تجاوز الأولى، فلمواكبتها على الأقل أو لمحاولة توسعتها والتنويع عليها.
إن البنيوية التكوينية مثلا قد فرضت نفسها بدورها على بعض الدراسات الأدبية العربية المعاصرة وفي الدراسات الأكاديمية على وجه الخصوص بحكم أنها بدت بمثابة المخرج الذي سيساعد الدارس على اجتناب الحرج المنهجي ومواجهة التحديات النقدية التي تجابهه بحيث يؤدي دوره كمثقف عضوي نشيط، ويشارك في العملية الاجتماعية والتاريخية دون أن يتخلى عن دوره كباحث أدبي مدعو إلى تعميق معرفته الأدبية والفنية وإلى استكمال أدواته المنهجية. وقد وجد في مفاهيمها ما يرضي ضميره الاجتماعي ويلبي حاجته الفنية، لأنها تحقق الانسجام المطلوب بين طبيعة الأثر الأدبي ووظيفته، وتتيح الربط بين خصائصه ومرحلته؛ وقد قال بعضهم في تبرير اختياره لها: "إن المنهج البنيوي التكويني يعتبر أن الوصول إلى المضمون الايديولوجي للأعمال الإبداعية لا يتحقق إلا مرورا بعملية تحليل البناء الشكلي".
وتحدث كثير ممن تبنوا هذا المنهج في دراساتهم عن إمكانية الجمع فيه بين فوائد الدراسة المحايثة ومعرفة قوانين التركيب، وبين مقاصد تأطير الفكر في الواقع واكتشاف حقائق البواعث والرؤى؛ فهو إذن يمكن من إمساك العصا من الوسط كما يقال ويساعد على تقصي الحقيقة الاجتماعية في الحقيقة الأدبية والعكس بالعكس؛ كما يسمح بتوسيع حركية التثاقف المنهجي وانفتاحها على المرجعيات اللسانية والأسلوبية والشعرية وغيرها، وعلى المرجعيات الفكرية كالمادية التاريخية والتحليلات الاقتصادية والاجتماعية، ولو أن ذلك قد يرهق النص الأدبي وربما يحمله ما لا طاقة له به.
وعلى أي فقد ساعدت البنيوية التكوينية أو ما طبق من مفاهيمها على تحقيق قدر من استقلالية النصوص الإبداعية، بفصلها عن الدائرة المباشرة للإطار البيئي والتاريخي، والاهتمام بالمقومات البنائية والتكوينية قبل محاولة تفهم البعد الاجتماعي في إطار البنية الضامة؛ وفتحت الباب لتقريب المعرفة الأدبية تقريبا "علميا" على قدر الإمكان، فتجاوزت التقويمات الحدسية، وخففت من غلواء المد الجدلي في الربط الآلي بين مضمون الأدب وواقعه الطبقي، لأن أصولها التنظيرية تفرض ألا يغفل الوسيط التكويني في الأدب، والذي هو البنية العميقة الدالة التي تؤشر على امتدادات الواقع في النص والنص في المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات العربية المستعدية لمفاهيم هذا المنهج بشكل أو بآخر قد تكون قليلة من حيث الكم لكنها فتحت الآفاق لعملية المثاقفة المنهجية الدائبة مع بعض المرونة التي يقتضيها اختلاف السياق الحضاري بين المناخ الذي أفرزها وبين المجال الذي ستطبق فيه، وكذا بين نوعية النصوص الغربية التي اقتضتها وبين خصوصية النصوص العربية التي ستقاربها وتجرب عليها … .
ومن المرجعيات التي سادت كلا أو بعضا في الدراسات الأدبية العربية المعاصرة ما استحضر من مفاهيم الشكلانية والبنيوية والشعرية والسيميولوجية وعلم السرديات وغيرها مما هو محسوب إجمالا على النقد النصي، ومما ساعد أيضا على تحقيق إنجازات قيمة في مجال المعرفة الأدبية وفي مجال تحليل الإبداعات ومقاربتها من وجهات متعددة. ولعل سلطة هذه المرجعيات تكون أقوى حضورا في الممارسات النقدية المعاصرة حيث يتم استثمارها بشكل كثيف وبحدة وتنافس أحيانا؛ وربما يعود الأمر في ذلك إلى تقليعتها الإبستمولوجية الجديدة والمنتشرة، او ربما إلى مصادفتها هوى في نفوس بعض النقاد والدارسين من ذوي التطلعات البورجوازية أو السلطوية الذين يبحثون عن معرفة أدبية ومنهجية تجعلهم في حل من الالتزامات الشعبوية أو الكثلوية و تحميهم من المحاسبة التاريخية بدعوى التفرغ لبحث الأبعاد التكوينية والفنية في النصوص الأدبية؛ وهو ما أحدث بالفعل نوعا من الخلخلة في الطروحات المتعارف عليها كمفهوم الأدب أو مفهوم النوع الأدبي وطبيعة اللغة الأدبية وتركيب النص وما إلى ذلك. على أن مقدار الاستجابة لتلك المعرفة أو الامتثال لسلطتها المرجعية، لم يكن دائما بنفس القدر أو بنفس الدقة، ويمكن لمتتبعي الدراسات النصية بعامة أن يلحظ وجود منزعين يتجاذبانها، وهما منزع الاخلاص لحضور النقد الغربي بقضه وقضيضه، واستفتاء مفاهيمه تنظيرا وممارسة؛ ومنزع الاستفادة من الجانب المعرفي مع التصرف في التطبيق أو الدراسة بحسب ما تقتضيه خصوصيات النص المدروس، أو حتى بحسب ما تقتضيه برامج الكفاية المنهجية أو المشروع الذي يتوخاه كل دارس على حدة. ومن ثم فقد ظهرت تبريرات مختلفة للقيام بتنويعات على هذا المنهج أو ذاك أو للتحاور مع بعض المفاهيم توسيعا أو تعميقا أو تعديلا؛ ويمكن القول بأن ذلك مما يشكل نوعا من ركوض موجات النقد الغربي من أجل القفز فوقها أو النظر إلى أبعد منها، ولربما من غير هضمها واستهلاكها أو التشبع بها. يقول جابر عصفور في الدعوة إلى ثقافة المساءلة: "ولست في حاجة إلى تأكيد أن الممارسة النقدية في لحظات التحول ومراحل التغير، تحتاج إلى مراجعة ما هي عليه، وما حققته، وما تتطلع إلى تحقيقه، واضعة موضع المساءلة حدود المفاهيم وإمكانات المنهج وقدرة النظرية، مدركة أن المراجعة كالمساءلة هي البداية في مجاوزة ما هو كائن إلى وعود ما يمكن أن يكون."
ويقول أحمد الطريسي في تقديم منهج دراسته للشعر المغربي الحديث: "إن المنهج المعتمد في هذه الأطروحة له خصيصة من حيث التصور الذي يمتلكه صاحبه حول كثير من القضايا الأدبية والفنية: فهو مستقل عن المناهج المتداولة من حيث هو مرتبط بها".
وينص عبد الفتاح كيليطو في العنوان الفرعي لكتابه "الأدب والغرابة" على أنه " دراسات بنيوية في الأدب العربي". لكن عبد الكبير الخطيبي يشهد في تقديمه بأنه "مدخل لنقد أدبي جديد"… والمؤلف نفسه يقول بأن القسم الأول من الكتاب توضيح لمصطلحات مثل النص والأدب والنوع والسرد وتاريخ الأدب … في حين يضم القسم الثاني دراسات متفرقة يمكن أن يجمع بينها مفهوم "الغرابة".
ورغم أن محمد مفتاح يحدد في العناوين مصطلحات مثل سيمياء الشعر واستراتيجية التناص ودينامية النص وغير ذلك، فهو يقرر بأنه صاحب مشروع تركيبي يستفيد من منجزات البلاغة واللسانيات والشعرية والسيميائيات والتداولية والحجاج وغيرها، من أجل القيام بما يسميه بالقراءات المتعددة، وهو على وعي بما " يتضمنه ذلك من مشاق ومزالق"، ويتحدث عنه بقوله: "إن آفة الانتقائية لا تصيب إلا من كان ساذجا مؤمنا إيمانا أعمى بما يقرأ، غير متفطن للظروف التاريخية والابيستيمية التي نشأت فيها النظريات، وغير قادر على تمييز الثوابت من المتغيرات في كل منها، وعلى ما تجتمع عليه وتفترق."
وبعد أن يقوم بقراءة إبيستمولوجية لبعض النظريات الغربية المشهورة، يرى أن الباحث يمكنه أن "يركب بين جزئياتها - بعد الغربلة والتمحيص - ليصوغ نظرية لتحليل خطاب ما".
ويمكن القول بأن أعمال هذا الباحث قد فتحت باب الاجتهاد التنظيري في النقد وفي تحليل الخطاب عن طريق محاولة "كشف قواعد اللعبة وآلياتها"، مما يمكن اعتباره خطوة ملموسة ومحسوبة في طريق التحرر المنهجي، لكنها تبدو مهمة صعبة ومغرية - كما يقول أحمد اليابوري - وهي تحاول "تكييف قيم الذات / الآخر، واستنباتها في حقل سوسيوثقافي مغاير".
وعلى العموم فقد سعت الدراسات المحايثة في مجموعها إلى تخليص الأدب من وصاية النظرة التاريخية أو الإيديولوجية أو الاجتماعية، لكنها تعاملت معه في الغالب كعالم مستقل و منغلق لا يحيل إلا على ذاته، والحال أن دراسة الأنظمة الرمزية سبيل فقط إلى اكتشاف المعاني الثاوية فيها.
وبعد، فالنص الأدبي عالم سحري عميق، وفي المناهج النقدية المعاصرة ترسانة معرفية ضرورية لسبر أغواره؛ وقد خبرت الثقافة العربية بعض جوانبها وهي تعيش تجربة التفاعل مع الفكر النقدي الغربي ومع بعض المفاهيم المحتدمة بحثا عن موقع لها وإثباتا لذاتها. ومن الجائز القول في النتيجة بأن الدراسات الأدبية المعاصرة واقعة بالضرورة تحت تأثير التيارات الغربية ومتلاقحة معها في نطاق عملية تثاقفية دائبة، لكنها محكومة بظرفية جيو-تاريخية وبعوامل سوسيو-ثقافية لا سبيل إلى إغفالها إذا أريد رصد حركيتها وفهم تطلعاتها فهما علميا صحيحا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manahijnaqdia.yoo7.com
 
سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر :: الفئة الأولى :: مناهج نقدية-
انتقل الى: