منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر

منتدى يعنى بمناهج النقد الأدبي المعاصر .
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أبعاد المثاقفة في النقد الأدبي العربي المعاصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد خرماش
Admin



المساهمات : 44
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
الموقع : أستاذ باحث

أبعاد المثاقفة في النقد الأدبي العربي المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: أبعاد المثاقفة في النقد الأدبي العربي المعاصر   أبعاد المثاقفة في النقد الأدبي العربي المعاصر Emptyالأربعاء يوليو 09, 2008 5:20 am

بسم الله الرحمان الرحيم
د.محمد خرماش
أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر
ص ب 379 مكناس – المغرب
هـ:00 212 68 47 89 14 فاكس:00 212 35 51 67 76 E Mail : mkharmach@hotmail.com

«أبعاد المثاقفة في النقد الأدبي العربي المعاصر »
تقديم :
هناك توجه قوي نحو استشراف الجديد في مختلف مجالات النقد الأدبي، وهذا الجديد يتعلق طبعا بالثقافة النقدية، بنظرية النقد الأدبي، بالمعرفة الأدبية، بطرائق الدراسة والتحليل، وبأهمية الخطاب النقدي وموقعه ضمن الخطابات الأخرى. ولعل الفكرة الكامنة وراء ذلك تهدف إلى الدفع بعجلة النقد الأدبي العربي للانخراط ضمن مسيرة النقد العالمي في هذا القرن الجديد. وهي فكرة جدية وجادة تنم عن غيرة ثقافية قومية وعن روح تقدمية عاملة؛ وتمشيا مع هذه الرؤية التقويمية فقد اختار البحث أن يتطرق إلى مسألة المثاقفة النقدية وانعكاساتها على الموقف أو المواقف من إشكالية المناهج في النقد الأدبي العربي التي هي إشكالية صميمية ومعقدة في الثقافة النقدية العربية قد تبتدئ بمدى فهم المنهج وتفعيله، وقد لا تنتهي عند مسألة إقراره أو رفضه؛ وبما انه لم يعد من الممكن ٌإقامة دراسة أدبية جادة، أو ممارسة عملية نقدية علمية مثمرة بغير الاستناد إلى رؤية واضحة أو اختيار منهجي مقنع، فقد أصبح من إيجابيات التفكير النقدي العمل على إثرائه بمعرفة الجديد في ميادينه المختلفة من أجل تقويته وتنشيطه وحفزه على المحاورة والمشاركة والإسهام، وهو مسوغ الحديث عن دينامية المثاقفة النقدية في مطلع قرن مرهص بعولمة كاسحة لكل شيء وفي كل شيء. …
I -التفاتة هامة: وضعية المشهد النقدي الأدبي العربي وإشكالية المناهج
قد يكون مجديا قبل الخوض في الحديث عن واقع المثاقفة النقدية ومستجداتها، أن نلتفت التفاتة سريعة إلى وضعية النقد الأدبي العربي، وكيف يعالج إشكالية المناهج في خضم إكراهات عديدة وتوجهات ثقافية مختلفة … فقد ورثنا عن القرن الماضي تراكمات ثقافية ونقدية قيمة ومفيدة لكننا لم نحصد منها إلا القليل فيما يتعلق بالضبط المنهجي وبثقافة نقد النقد وتنسيب الدراسات الأدبية والعمليات النقدية. ومن المؤكد أن حركية الثقافة النقدية الحديثة في العالم العربي قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالتطورات التاريخية والاجتماعية منذ بدايات القرن، الشيء الذي دفع إلى إعادة النظر في كثير من التصورات والمفاهيم الثقافية بكاملها، وجعل مسألة العلاقة بين ما هو أدبي وما هو سياسي تحتل موقعا بارزا في كل ذلك. فكان أن وجد النقد الأدبي نفسه في الواجهة وكان عليه أن يجدد آلياته في العمل، فتعلق بما أمكن استيعابه من المناهج مثل المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي؛ والمنهج الواقعي الاشتراكي وما إلى ذلك، وحينما بدأ المد البنيوي يصل إلى بعض أصقاع العالم العربي ظهرت بعض محاولات التعلق بأهدابه إن على مستوى النظر فيه أو على مستوى تشغيل بعض إجراءاته؛ ولما رؤي أن ذلك قد يؤدي إلى الانغلاق وإلى الحد من قيم النص الذي لا يمكن تعطيل أبعاده الوظيفية في مجتمع تتكالب عليه الأحداث القاسية، أخذ سهم النقد يتوجه نحو الدراسات السوسيو- نصية التي تجمع بين ما هو نصي تكويني وما هو اجتماعي أو بيوغرافي أو نفسي أو معرفي مما لا يمكن الاستغناء عنه أو توقيفه من دلالات النصوص المختلفة، وقد انتهى الأمر إلى نوع من العجيج والضجيج الملحوظين في مسألة المناهج النقدية بدءا بعدم الاهتمام بمفهوم المنهج ذاته وضبطه ومحاولة التداول في تعريفه وتحديد قيمته وضرورته وفعاليته، وانتهاءا بالتسابق إلى المصطلحات الجديدة واقتناص التسميات التي تظهر هنا أو هناك مثل التفكيكية والتداولية والتأويلية وجمالية التلقي وغيرها مما يؤخذ على عجل ويفصل غالبا عن السياقات الفكرية والتاريخية التي أنتجته، فتأتي محاولات تشغيله بنتائج قد تحسب عليه وليس له. وقد نجد للنقد الأدبي العربي المعاصر بعض العذر في هذا التخبط نظرا لكثرة المثبطات والمعوقات التي تحيط به؛ ومنها مثلا أن الجهود التي تبذل في ملاحقة المناهج والنظريات والمفاهيم الجديدة هي من قبل المبادرات الخاصة والفردية وليست منتظمة في اتجاه معين أو هيأة أو مؤسسة تؤطرها وتقومها وتشعر العامل ضمنها بمسؤولية الانتماء واحترام التوجه المرسوم؛ وقد كان أسلافنا وأساتذتنا إلى عهد قريب مخلصين لمدارسهم الثقافية ومناهجهم النقدية إلى حد كبير يجتهدون أولا في استيعاب مبادئها وتفاصيلها ودقائقها ويستميتون في الدفاع عنها والعمل بها لأنهم يحسنون تمثلها ويقتنعون بفعاليتها فيتشبثون بمنظومتها الكاملة ويطبقونها متكاملة ومتظافرة في قوة وإصرار، ولذلك تركوا لنا مؤلفات كثيرة وكبيرة لعلنا - وإلى يومنا هذا - لم نوفها حقها من الفهم والدرس والتمحيص.
وقد لا يكون من نافلة القول أن نذكر بأن هذه المسألة مرتبطة كذلك بما يعانيه البحث العلمي بعامة والبحث النقدي بخاصة من تهميش ومن قلة الرعاية والاهتمام الحقيقيين أي من شح وتقتير في التمويل، وهو أمر لا ينبغي التغاضي عن أهميته وحيويته في تحريك عجلة النقد وتحقيق التقدم العلمي الرصين المطلوب في مجاله، حيث لا ينبغي ولا يمكن الاكتفاء بما يعده الطلبة بإمكانياتهم المحدودة من أطروحات جامعية قد تنشر وقد لا تنشر، ولا الاقتصار على ما ينجزه الأساتذة الباحثون في نطاق ممارسة المهنة المتعبة الشاغلة القاصمة، أو في نطاق المشاركة في المؤتمرات والندوات ووسائل الإعلام على حساب صحتهم ووقتهم وجيوبهم بدافع المروءة فقط والوفاء للرسالة التاريخية التي يؤدونها؛ بل لا بد من إقامة مراكز متخصصة وبوسائل كفيلة ومريحة متواصلة، وآنذاك نستطيع انتظار الجدة والعمق والإبداع المفقود في الساحة النقدية، ولا بد من الاعتراف بأن ما يبهرنا في الغرب في مجال المناهج والمفاهيم والأعمال النقدية المتسارعة لم يتأت إلا بتوفير الإمكانيات والمناخات القمينة بتحقيقه؛ وإذن فاللوم ليس كله على المشتغلين بالنقد الأدبي العربي في ما تعانيه الثقافة المنهجية من تسطح أو ضحالة أو تسرع.
وعلى أي فقد يكون من تكملة هذه الالتفاتة أن نستعرض في عجالة بعض ملامح السيرورة المنهجية في النقد الغربي ما دامت عملية التثاقف هي قدر النقد العربي في الآن والمآل وهو محكوم بنتائجها سلبا وإيجابا طردا وعكسا.
ولا بد من الإشارة في الأساس إلى أن النغمة التي تطبع النقد الغربي منذ أواسط القرن 20 هي أنه معادل للإبداع أو متقدم عليه، لان النص المتعدد قد اصبح مجالا لاشتغال النقد والقراءة أو القراءات، سيما وقد نشط النقد الصحفي أو النقد الإعلامي السريع الدقيق، والنقد الإبداعي أو نقد المبدعين النقاد والنقاد المبدعين، وبقي النقد المهني أو النقد الاحترافي العلمي من مهام الجامعيين والأكاديميين المتخصصين أو المتفرغين، ليؤدي وظيفتين كبيرتين هما المحافظة على الموروث من المعرفة الأدبية والاستفادة منها، ثم العمل على التقدم بها في سياق المنظومة الكبيرة للعلوم الإنسانية قاطبة، كي تصير أكثر دقة وعلمية وعمقا؛ وهذا " إيف تادييه Yves Tadié " يقدم لكتابه: " النقد الأدبي في القرن العشرين " بقوله: « إن النقد الأدبي وكذا نظرية الأدب قد شملهما في القرن 20 تحول ملحوظ تحت تأثير العلوم المجاورة مثل اللسانيات والتحليل النفسي وعلم الاجتماع والفلسفة. وقد ولد التحاور الثقافي مناهج جديدة وضعت حدا لفكرة أن هناك كيفية واحدة للحديث عن النصوص… » ( )
ومن ثم فقد فضل أن يقيم كتابه على أساس استعراض جملة المناهج التي تمثل غالبية المقاربات في المشهد النقدي منذ ما تركه الشكلانيون الروس مع بدايات القرن وإلى ما حققه الشعريون والسيميائيون مع نهاياته مرورا بأحدث إنجازات النقد النفسي والنقد الاجتماعي والنقد التكويني ونقد المتخيل وما إلى ذلك، معتبرا أن التواجه المنهجي يجعل من النقد الأدبي جنسا آخر أو جنسا أدبيا جديدا يكتشف الحقائق المجهولة ويهدي في الغياهب كما كان منار الإسكندرية يهدي في الزمن الغابر…
وعلى العموم فإن النقد الأدبي الآن يحاول أن يقرأ ما بعد النصوص ليجعل العالم محسوسا بالكلمات، وليغيره عبر الأقوال لا عبر الأفعال؛ ومن ثم فهو مغرم بالأشكال والعلامات والتقنيات، ويفضل الوصف على الحكم، والتحليل على التعليل. وقد لعبت الجامعات وخاصة بعد الستينيات دورا كبيرا في ذلك من خلال تزايد أعداد الطلبة والأساتذة الباحثين ومن خلال تعدد مراكز البحث ومجالاته وسهولة التواصل والاتصال والاطلاع على أصغر الجذاذات وعلى أوسع أبناك المعلومات عبر الحواسيب وشبكات المعلوميات؛ وعما قريب لن يكفي عدد الكتاب والباحثين والنقاد لتغذية وتغطية هذه المجالات التي تطلب المزيد في كل وقت وحين، ومن ثم تسارع إيقاع الأعمال وخفة الدراسات والمتابعات …
ومع ذلك فمن الممكن تصنيف أنواع النقد الأدبي في الغرب إلى أنواع تقليدية كالنماذج السياقية ومنها النقد اللغوي / الفيلولوجي وتاريخ الأدب والتحليل النفسي والتحليل الاجتماعي، وكالنماذج الدراسية ومنها النقد الإبداعي والنقد الموضوعاتي ونقد الوعي وشعريات الأعماق والنقد الوجودي؛ وإلى أنواع تجديدية كالنماذج النصية ومنها البلاغة الجديدة والأسلوبيات الحديثة والبنيوية المعاصرة والنقد الجديد والسيميائيات والسرديات، وكالنماذج الشارحة ومنها التأويلية والتفكيكية وجمالية التلقي والتناصية والمادية الثقافية والنقد النسوي وما إلى ذلك …
وكل هذه الترسانة العظيمة من النماذج بحاجة إلى متابعة وفهم واستيعاب وتقويم إذا أريد للمثاقفة النقدية والمنهجية في العالم العربي أن تؤتي أكلها الصحيح، وطبعا فإن حياة واحدة أو حيوات لا تكفي لذلك، ولن تستطيعه إلا جهود منظمة ومتضافرة ومدعمة .
أبعاد المثاقفة وحركية التطور النقدي:
ولقد استعمل مصطلح المثاقفة أو التثاقف Acculturation منذ 1880 للدلالة على التداخل الحاصل بين مختلف الحضارات على مستوى التأثير والتأثر والاستيعاب والتمثّل والتعديل وما إلى ذلك، سواء من وجهة نظر السيكولولجية الاجتماعية أو الأنثروبولوجية الثقافية أو التاريخ.
وقد حددتها مدونة " لينتون وهيرسكوفيتش " Linton et Herskovitsلسنة 1936 بأنها « مجموع الظواهر الناتجة عن الاتصال المباشر والمستمر بين مجموعة أفراد أو ثقافات مختلفة مع ما يترتب عن ذلك من تغيرات في الأنماط الثقافية لهذه المجموعة أو تلك ».( )
وعرفها الباحث الاجتماعي الفرنسي « ميشيل دوكوسترMichel De Coster» بأنها « مجموع التفاعلات التي تحدث نتيجة شكل من أشكال الاتصال بين الثقافات المختلفة كالتأثير والتأثر والاستيراد والحوار والرفض والتمثّل وغير ذلك مما يؤدي إلى ظهور عناصر جديدة في طريقة التفكير وأسلوب معالجة القضايا وتحليل الإشكاليات؛ ومما يعني أن التركيبية الثقافية والمفاهيمية لا يمكن أن تبقى أو تعود بحال من الأحوال إلى ما كانت عليه قبل هذه العملية ».( )
وبحسب الدراسات المنجزة في هذا المجال أيضا فإن التفاعل التثاقفي يرجُح في هذا الاتجاه أو ذاك تبعا للعوامل السياقية المصاحبة له مثل الحاجة والقوة ودرجة التقارب أو التنافر ومدى ديناميكية الكتل المتفاعلة وسهولة التواصل والتفاهم وما إلى ذلك؛ لكن ما يحدث من تغيرات جذرية في البنيات الثقافية الأصل وفي بؤرها المركزية يترسخ نهائيا في التمثلات الجديدة، ومن ثم يختلف كل وضع تثاقفي في بيئة ما أو في زمان ما عما قبله وعما بعده.
المثاقفة الموجهة أو المبرمجة :
ويمكن القول كذلك بأن عملية المثاقفة لم تعد حرة أو صدفوية في كثير من الميادين، بل أصبحت لها قوالب وتدابير وتوجيهات معينة محسوبة العواقب ومعروفة النتائج، ولذلك تُرسم لها استراتيجية أو استراتيجيات مسبقة درءا للانزلاقات أو التحريفات الخطيرة، وسعيا لتحقيق ما يخدم الغرض المقصود من العملية برمتها كالاستفادة العلمية أو التقدم الفكري دون المساس بالجوهر الأنطولوجي للكيانات المتثاقفة. ولعل هذه القيمة الحساسة هي ما عولت وتعول عليه القوى المحركة منذ تقافات القوميات والأمميات وإلى ثقافات العولميات وما بعد العولميات…
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد إذن أن يكون لكل فعل في هذه العمليات الخطيرة رد فعل من جنسه وفي مستواه كي يتحقق التوازن المطلوب.
وبما أن المشهد النقدي العربي المعاصر يتراوح كما أسلفنا بين الدراسات الوصفية والدراسات التحليلية والدراسات الجدلية التركيبية والدراسات التأويلية المنفتحة على مفاهيم القراءة والسيميولوجيا والهيرمينوطيقا وما إلى ذلك، فهذا يعني أن عملية المثاقفة النقدية قد فرضت تطورا ملحوظا في المناهج والمفاهيم وطرائق التحليل بشكل قد يعتبره البعض تبعية أو خضوعا للهيمنة الغربية في هذا المجال كما في غيره من المجالات، وقد يعتبره البعض الآخر عملية تثاقف ضرورية تهدف إلى التحاور والاستفادة التقدمية؛ وهو ما يفرض إعادة النظر في طبيعة العلاقة التي تربط الثقافة العربية بما هو موروث صامد من جهة، وبما هو كوني عالمي زاحف من جهة أخرى، من أجل تأسيس وعي تثاقفي منهجي إيجابي وبناء، بعيدا عن الثنائيات القاسية التي لا يمكن أن يلتئم شرخها أبدا، والتي نجحت إلى حد بعيد في نمذجة تفكيرنا النقدي وفي تنميط مرجعياته المتصلبة … علما بأن قانون المثاقفة والاحتكاك المفروض، والاطلاع على ما عند الغير يجعل مفهوم الثقافة الخالصة غير ذي موضوع، إذ لا يمكن الرجوع إلى وضعية البارحة وكأن شيئا لم يقع! فلا يبقى إذن إلا إقحام الفكر النقدي العربي في المنظومة المنهجية العالمية وتشجيع حركة التقاطب بتنمية روح الإبداع وتوفير إمكانيات العطاء والإنتاج.
استشرافات :
يعرف المتتبعون والملاحظون أن ركب النقد المعاصر يمر الآن بالمابعديات ويتجه إلى العولميات، ولذلك يناقش الحساب مثلا مع البنيوية وما بعد البنيوية، مع الحداثة وما بعد الحداثة، ويتطلع إلى الثقافة وإلى الإنسان في المنظور المستقبلي كي يستعيد دوره ودورته في الوجود الحياتي لإنسان القرن الواحد والعشرين.
فالبنيوية التي انطلقت من التفكير العلموي التقنوقراطي وشيدت صرحها على اعتبار الأدب موضوعا جماليا وتكوينيا فقط مبتعدة عن الإنسان وعن التاريخ، قد ارتبكت أمام التغيرات الحاصلة، فأسلمت القياد أو بعضه للنظريات اللاحقة. و ما بعد البنيوية بدأت تشك وتشكك في سلامة النظام التفاعلي المحدد لقوانين المركبات والعلائق بدءا بفهم الإنسان لنفسه وفي علاقته مع الغير، فأنكرت الحدود الصارمة وفرضت منطق الثنائيات والتقابلات التعريفية (أبيض ≠ أسود - رجل ≠ امرأة - غني ≠ فقير) التي تدمر ذاتها بذاتها وقد تدمر الإنسان معها، واستبدلت منطق اللاتناهي المحرج الذي يجعل الفكر في مأزق وجودي كبير، وهو ما تقول به التفكيكية التي تعتبر أن شيئا ما في الكتابة مثلا يؤدي إلى التملص من كل نظام، ولذلك تتعامل مع النص الأدبي بما هو معضلة معنوية بسبب التناقضات التي تهدد كيانه القائم على سيرورة الاختلاف … أما الحداثة التي يمكن القول بأنها أنجبت البنيوية وما بعد البنيوية فقد تولدت عن فقدان الثقة بعقلانية القرن التاسع عشر المغرورة التي لم تستطع أن تجنب الإنسان ويلات حروب مدمرة ومظالم كثيرة، فصبت جام غضبها على الثوابت من كل شيء وأرادت أن تنخر السلطات والمؤسسات القائمة عن طريق تحرير اللغة التي أصبحت بضاعة كاسدة في أوربا لان المجتمع الصناعي قد حولها إلى مجرد أداة للإعلانات البيروقراطية التخديرية؛ ولم يعد في مكنة الأديب أن يكتب بلغة مستلبة ومقيدة، فدعت إلى تعليق المرجعيات وتعاملت مع اللغة باعتبارها موضوعا في حد ذاته، ومع الكتابة باعتبارها هواية جميلة. ولم يعد عندها شيء اسمه " خارج النص "، فأصبح النقد بدوره تجريديا يهتم بما ينتجه الناقد نفسه أكثر مما يهتم بالأدب أو بالمعرفة الأدبية. وقد وجد هذا التوجه النقدي الحداثي في التاويلية أو الهيرمينوطيقا فرصة سانحة ليجعل من العملية النقدية عملية إبداعية وإنتاجية كذلك، ففتح الأفق القرائي لمزيد من البحث والاستكشاف، وهكذا أصبح الناقد كاتبا يواجه بدوره معضلة اللغة ومعضلة القراءة والكتابة. بيد أن هذا التحلل أو الانفلات في المفاهيم الحداثية قد أثار حولها اعتراضات كثيرة بما هي هروب دائم إلى الأمام، أو نزيف فكري لا يتوقف؛ وجرى الحديث عن الرجوع إلى القاعدة الموسعة للروافد الثقافية المتعددة وخاصة بعد ظهور مفاهيم جديدة للحرية والديموقراطية وحقوق الأفراد والجماعات، ولذلك أصبحنا نسمع عن النقد الثقافي والنقد السياسي والنقد الإنساني وما إلى ذلك. وهو التوجه الجديد الذي يرتبط فيه تطور المناهج النقدية بتطور العلوم الإنسانية وبتعميق المعرفة بحقيقة الإنسان المعاصر وبأفكاره وطموحاته وإمكانياته، ولم يعد من المجدي تحريك النصوص الأدبية في فضاءات معزولة عن الأنساق الثقافية المتبلورة في العالم وعن المتغيرات الحضارية التي أصبحت تفرض نفسها على كل تفكير وفي كل إنتاج جديد بما هو وقائع متولدة ضمن الحركية العامة، ومعنية بسيرورة الإنسان وصيرورته؛ ومن الأجدى للفكر العربي بعامة وللفكر النقدي بخاصة أن ينخرط في المنظومة العالمية وأن يعمل جادا ومجتهدا في تعميق الثقافة المنهجية التي تكسبه قوة وفاعلية في المقاربات الأدبية وغير الأدبية، وتفتح الأفق السليم لمنافسة تثاقفية مضبوطة ومتوازنة.
د.محمد خرمـاش




flower
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manahijnaqdia.yoo7.com
 
أبعاد المثاقفة في النقد الأدبي العربي المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مناهج النقد الأدبي المعاصر :: أبحاث و دراسات-
انتقل الى: